كثير من المدن تخفق في إقناع سكانها من أجل بناء صورة ذهنية جيّدة عنها، أو تحقيق معدلات متقدمة في تقييمهم لخدماتها، أو عن المشاريع التي تنفذها، بالرغم من أن إدارة هذه المدن تعمل على مدار الساعة بكامل طاقاتها، وترى أنها قامت بعمل كبير وجهود حثيثة وأطلقت مشاريع ومبادرات نوعية وفعلت كل ما يمكن فعله، إلا أن كل ذلك لم يحقق الرضا المنشود من هؤلاء السكان. من وجهة نظري الشخصية أن العديد من مُسيري المُدن لم يستوعبوا بعد أن زمن العمل بجهد مُفرط قد ولّى، وأصبح العمل بذكاء هو العقلية التي يجب أن تكون المبدأ الرئيس في إدارة المدن وسط هذا التحوّل الكبير في ثقافة السكان وتعدد متطلباتهم وارتفاع سقف طموحاتهم، بالإضافة إلى تزايد الأعباء العمرانية المستمرة التي بات من الصعوبة بمكان التحكم بها وإدارتها خاصة في المدن الكبيرة وفي ظل تحديات إدارية وتنظيمية قد لا تُمكّن من ذلك بصورة مؤسسية مباشرة. «الأهم من أن تتقدم بسرعة هو أن تتقدم في الاتجاه الصحيح»، هكذا قدم لنا توماس أديسون المعادلة التي تحمل الحلول التي يمكنها أن تساعد المسؤولين من مجاراة التغيير الذي سيطرأ على عقلية إدارة المدن في علاقتها مع سكانها في المستقبل، ولكن ما هو هذا الاتجاه الصحيح الذي نتحدث عنه، وكيف لنا أن نُعرّفه في منظومة إدارة الحياة داخل المدن. الكلمات المفتاحية للإجابة على هذه التساؤلات هي «الذكاء» و»الاتجاه»، فالمدن مهما عملت فلن تصل إلى «المدينة الكاملة» مهما كانت قدراتها، إذ إن العيش في هذه المدن حالة مستمرة وسيكون نظيرها حالة طلب دائمة على الخدمات والتطوير، لذلك من المهم جداً بناء مسار مواز في رحلة الإنجاز هذه يوجه مباشرة لخدمة الناس «معنوياً» من خلال ممارسات بسيطة جداً معظمها لن يتطلب ميزانية مستقلة بقدر ما هو توظيف أمثل لجزء من مقدرات المدينة. إبهار الناس لا يتطلب فقط مشروعات كبيرة ولا مسارات عمل مكلّفة، فشراكة مع القطاع الخاص يمكن أن ينتج عنها دعوة عشاء لشخصين في مطعم راق لسكان الحي على شرف الأمانة، أو تذكرة لحضور فيلم سينمائي برعاية البلدية، أو إرسال باقة ورد تحمل تهنئة بعيد الحب من إدارة الحي، كفيلة بإحداث الفارق في سيناريو إبهار الناس بمدينتهم، نعم البنية التحتية معيار رئيس لجودة الحياة، لكنها لم تعد المعيار الوحيد لعلاقة المدن مع سكانها. مع قادم الأيام ستكون إدارة «الذكاء والاتجاه»، الوحدة الإدارية الأهم في الهيكل التنظيمي لبلديات المدن.