تبنت المملكة استراتيجيات وطنية للتحول الرقمي، وخططًا خمسية واعدة وطموحة، بالتعاون مع الجهات الحكومية في رؤية 2030، كان من أبرز مخططاتها الاستراتيجية التعليم الرقمي. التعليم الرقمي (Digital learning) هو أي نوع من أنواع التعلم المصحوبة بالتكنولوجيا أو بالممارسة التعليمية التي تستخدم التقنية بشكل فعّال. وهو بمنزلة استراتيجية تقنية فعّاله، يتم تخصيصها لكل نوع من التعليم حسب طبيعة أعماله. تبعًا لهذا السياق لا بد أن نفرق بين مصطلحات لها علاقة بذلك، هي الرقمنة Digitization التي هي عملية تحويل المعلومات من صيغة مادية (مثل الورق) إلى صيغة رقمية. والدجتلة Digitalization، وهي استخدام التقنية لتحويل العمليات التشغيلية من تقليدية إلى رقمية. أيضًا التحول الرقمي Digital Transformation، وهو التحول الشامل في إعادة تصميم نماذج الأعمال إلى نماذج عصرية، توظف البيانات والتطورات الرقمية. من فوائد التحول الرقمي في التعليم تسريع طريقة العمل اليومية من خلال تسخير التطور التكنولوجي الباهر الذي تم الوصول إليه؛ لأنه يساعد في زيادة الإنتاجية في العمل، وتقليل الأخطاء والمخاطر. ومن فوائده للطالب أنه سيصبح عنصرًا ومكونًا وفعالاً في العملية التعليمية، وليس عنصرًا متأثرًا فقط. المعلم لن يكون بعد الآن عنصرًا ذاتيًّا للمعرفة، بل سيوجّه الطالب إلى مصادر المعلومات المتنوعة. إضافة إلى ذلك، من فوائده يمكن استخراج جميع نتائج الامتحانات في وقت قصير للغاية؛ إذ سيتمكن الطلاب من الوصول إلى نتائج الاختبار في النظام عبر الإنترنت. بعد الاطلاع على تقرير التحول الرقمي الوطني نصف السنوي لعام 2019م أظهرت مؤشرات الأداء في إنجازات التعليم الرقمي أن منظومة الجامعة التي تهدف إلى توفير خدمات إلكترونية موحدة لدعم مؤسسات التعليم العالي السعودية ومنسوبيها، مدعومة بقاعدة وطنية مركزية للمعلومات الجامعية، تغطي احتياجات هذه الخدمات من معلومات، 31 خدمة إلكترونية ل64 مؤسسة تعليمية، بها 3.9 مليون طالب مستفيد، و1.8 مليون خريج مستفيد، و120 ألف عضو هيئة تدريس وموظف. في حين تشير مؤشرات إنجازات نظام نور في وزارة التعليم إلى 36.7 مليون شهادة محفوظة، و10.1 مليون مستخدم، و3.2 مليون ولي أمر مسجل، و6.3 مليون طالب وطالبة، و530 ألف معلم ومعلمة. أما الإنجازات المتعلقة بوزارة الإعلام للتحول الرقمي فقد تم إصدار 19.200 رخصة إعلامية، يتم استخراجها بشكل فوري بعد أن كانت تستغرق 45 يومًا. للعلم، إن وحدة التحول الرقمي هي مركز تميز وطني، أُنشئ عام 2017 بأمر ملكي رقم 49584 وتاريخ 29-10-1438ه كجهة مستقلة، تعمل على تمكين ودعم التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. في عام 2020م، في ظل أزمة كورونا، أعلنت جميع المؤسسات التعليمية في العالم التحول السريع في التعليم استجابة لمتطلبات هذه الأزمة؛ إذ أعلنت جامعاتنا السعودية وجميع إدارات التعليم العام جاهزيتها من اليوم الأول لتطويع التكنولوجيا بجميع برامجها المختلفة لإيصال الرسالة التعليمية لجميع طلابها، وأثبتت للعالم أن التعليم في المملكة العربية السعودية يقوده قادة عظماء، وعقول نيرة، استطاعوا بما لديهم من حنكة وخبرة إدارة الأزمة والخروج منها بأعلى مقاييس النجاح؛ وهو ما جعل الجميع يعيد النظر إلى أن التعليم بعد أزمة كورونا لن يكون كما هو الحال قبلها. ولعل جامعة هارفارد الأمريكية (Harvard) لديها الخبرة في ذلك مما عرف عنها بنشر محاضراتها وبرامجها عبر الإنترنت لمختلف أنحاء العالم؛ وهو ما جعلها تحتل دائمًا مراتب متقدمة حسب التصنيف العالمي للجامعات. النظرة المستقبلية لمواجهة مثل هذه التحديات في التعليم هو توظيف تقنيات التكنولوجيا المتطورة في التعليم. على سبيل المثال إنشاء برامج تعليمية متطورة، تسهل عملية التعلم من خلال المحتوى الذكي، ومزاوجة البحث العلمي المعرفي مع تقنية الذكاء الاصطناعي التحليلي التنبُّئي؛ إذ إن الذكاء الاصطناعي سوف يكون له أثره في التعليم في مجالات متعددة، هي: الذكاء الاصطناعي على الإدارة التعليمية، وعلى الأساتذة والمعلمين والطلاب، وأيضًا في تقييم عملية التعلم والتعليم. لذلك سوف نلاحظ أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي سوف يسهم في تحديد الفجوة في المعرفة عند الطلاب، وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم.. ويمكّن الأساتذة والمعلمين من التطور المهني، وإنشاء منهج عبر الإنترنت، يمكن للطلاب الوصول إليه في أي وقت، وإجراء التصنيف التلقائي لجميع أنواع الاختبارات. يؤكد ذلك ما جاء في تقرير أرنيت (التدريس في عصر الآلة Teaching in the» Machine Age « بأن التقدم التكنولوجي سيشكل قفزة مهمة في المجال التعليمي؛ إذ سيمكِّن من الارتقاء بجودة التعليم في المستقبل القريب). في الختام لا شك أن مواكبة التطور الحاصل في التكنولوجيا أصبح أمرًا ضروريًّا؛ لأن هذه التكنولوجيا الرقمية أحدثت تغييرًا في طريقة التفكير والسلوك الإنساني. وإذا لم تسارع المؤسسات التعليمية في مواكبة ما هو موجود حولنا من تطور رقمي فحتمًا سوف تتأخر تعليميًّا؛ لذلك لا بد من رسم ووضع الخطط المستقبلية في ذلك، وتدريب الأساتذة والمعلمين والطلاب حتى تكتمل المنظومة التعليمية بكل عناصرها، وتتواكب مع الوتيرة السريعة للتقدم التقني. ** ** عائشة بنت مطلق السليس العتيبي - أستاذة الإعلام والاتصال