في الحلقة السابقة، تكلمت عن مقتطفات متنوعة عن عبد الرحمن بن منيع ولقاء آل بلنت معه في بومبي، وفي هذه الحلقة سوف أتطرق لبعض الشيء عن رجل آخر من رجالات نجد كان تاجرًا للخيول في بومبي أيضًا.. ألا وهو عيد بن محمد التميمي من أهالي عنيزة، وهو من التمم من ولد محمد من قبيلة حرب الكريمة. لقد تذمر ويلفيرد أثناء زيارته لبومباي بين 1883م - 1884م من وجود محتالين في الأسواق، وغش في شهادات الخيل، وغش في مصداقية من يشارك في الشهادة على أصالتها؛ فقال إن بومباي يوجد بها الخيول العربية الأصيلة، والخيول العربية المزيفة، وبالمقابل يوجد تجار عرب حقيقيون، وتجار عرب مزيفون. واستطرد كاتبًا: «ولا يوجد أحد عاقل على سبيل المثال أن يصدق كلام فارسي، أو عراقي لا يحضر شهود ثقاة (هكذا كتب). ولكن بالمقابل، ها أنا أجلس في نطاق صغير مع عبد الرحمن بن منيع، ومعه عرب حقيقيون مثل عيد التميمي، وعلي بن عمر، وعيسى القرطاس». يبدو أن ويلفيرد وزوجته الليدي آن بلنت كانا حقًا معجبين بالعرب الذين التقيا بهم لاسيما أهالي نجد حيث استمر في مديحهم قائلاً: «أعتقد لا أحد يحتاج بأن يشك في مصداقية ما يسمعه منهم». وهنا يضرب مثالاً في إعجابه بشخصية عيد التميمي فيقول عنه: «عيد التميمي، على وجه الخصوص، بدوي حيث إن أصله من قبيلة حرب النبيلة، ويعرف الصحراء حق المعرفة تمامًا كما لو كان يعيش فيها، وقد استطعت أن أختبر وأتحقق من دقته في جانب معرفته بالخيول وفي جانب معرفته بشؤون قبائل البادية من خلال أمثلة لا تعد ولا تحصى». عن حصان عيد المسمى (ريكس)، وهو حمداني سمر ومحبوب في نجد، وصفه ويلفيرد - على الرغم بأنه ليس مهرًا - بأنه صغير الحجم خفيف الوزن وسريع ويعد أعجوبة في الهند، وذكر أيضًا أن عيد التميمي استطاع الحصول عليه بسعر مغرٍ من قبيلته (حرب) واشتراه منهم لغرض الإنتاج؛ ومعلوم لدى المهتمين بهذا الشأن أن حمداني سمر هو حصان الدباغ من قبيلة حرب. وعن ترتيباته مع التميمي، ونيته للسفر برفقته يقول ويلفيرد (1): «وصلت إلى بومباي الساعة 11؛ وقد قضينا غالبية الأيام في اسطبلات الخيول العربية برفقة عبد الرحمن المنيع، عيد التميمي، وتجار آخرين من نجد، نرتب معهم لأخذ خيول إلى إنجلترا لغرض السباق العربي المزمع إقامته في نيوماركيت. وقد انتهى بي المطاف لأخذ أربعة معي إلى بريطانيا». وفي يوم 14 فبراير من 1884م يتحدث عن سير رحلة كان يرغب أن يقوم بها إلى عنيزة فيكتب: «قضيت فترة ما بعد الظهر في الاسطبلات برفقة عبد الرحمن المنيع وعيد التميمي، وقد رتبت مع الأخير أنه يجب عليه أن يذهب معنا الشتاء القادم إلى نجد، ابتداءً من بيت المقدس، وصولاً إلى خيبر ثم إلى عنيزة. عيد من قبيلة حرب، ولكنه يعرفهم جميعًا (أي القبائل)، وبإمكاننا أن نذهب إلى قبيلة عتيبة». أما آن بلنت، زوجة ويلفيرد، فتقول عن عيد في سياق كتابتها عن التجار العرب في بومباي: «وهنا أيضًا عيد التميمي، لكني أظنه يعمل مع آل قرطاس. إنه يقول لنا إنه سوف يلتقي بنا أو سيذهب معنا إلى أي مكان نرغب به في الجزيرة العربية. ونستطيع أن نكتب له عن طريق ابن قرطاس في البصرة. إنه الذي أحضر حصان جدعان». عيد التميمي، هو خال لزيد بن سعد الجدعي المطيري من أهالي عنيزة، كان يعمل مشرفًا على خيول ويلفيرد بلنت، والأخير قد طلب من زيد أن يوصي خاله عيد على أن يبحث عن خيول مميزة لصديقه (كونت بيتوتسكي) وقد كتب زيد رسالة جاء من ضمنها: «صديقه متوجه لطرفكم يلزم له حصان أصيل مضبوط ومشهود بأصله والأمل يا خال (يقصد عيد التميمي) مساعدته بهذا الأمر وتختار له من الخيل الأصائل الذي تعجبه... وإن لم يكن عيد موجودًا ببومباي فيكون محمد ابن شملان وإلا محمد المديفر وإلا الحاضر من أهل القصيم يسد بمساعدة صديقنا على حاجته». كل الأسماء المذكورة هم من أعلام العقيلات، وكان هناك مطيري آخر يعمل لدى آل بلنت أثناء وجودهم في مصر ألا وهو مطلق الحربش؛ وفي كل الأحوال فآل بلنت يتمتعون بعلاقة جيدة مع العرب بادية وحاضرة لاسيما من انتقل إلى مصر سواء بشكل فردي أو مع مجموعة العقيلات المعروفين بتجارتهم للخيل والإبل في مصر والسودان والشام والعراق والهند وغيرها من أماكن متعددة حول العالم. رحم الله هؤلاء الرجال الكرام، الذين كانوا خير سفراء لأوطانهم، فمواقفهم الطيبة تركت أثرًا عظيمًا في نفوس هؤلاء الرحالة والمستشرقين الذين لم يبخسوا حقهم في ذكر مواقفهم ومآثرهم النبيلة. الهوامش (1) نشر هذه الترتيبات في كتابه «الهند تحت ريبون» المطبوع عام 1909م. ** ** - الباحث/ هشام بن خالد بن محمد البتال