هل مراكز التفكير والدراسات والاستشارات بتخصصاتها المختلفة في الدول العربية أخفقت في كسب ثقة صانع القرار بسب ضعف منتجاتها وعدم واقعيتها وضبابية طرحها؟ أم هناك أسباب أخرى ولماذا تميزت المراكز الغربية عن غيرها من مراكز الأبحاث في الاعتماد عليها في بعض الخطط الوطنية والدولية ويلجأ لها صانع القرار في بعض الأزمات ويستند عليها في خطابتها؟، إن مثل هذه التساؤلات لا يكفي الإجابة عنها بشكل مبسط وإنما يحتاج الأمر إلى رؤية وبحث عميق في بعض الأسباب التي من شأنها أن تسهم في تحديد نجوم الاتجاهات ومساراتها الصحيحة التي يجب أن تتبعها لتصبح لها تأثير واضح وفعال، ولعل مؤشر جامعة بنسلفانيا الأمريكية لتصنيف وترتيب مراكز الأبحاث العالمية، يعتبر من أهمّ المؤشرّات العلمية وأكثرها قوة لاعتمادها معايير تعتمد على مدى تأثير هذه المراكز على خارطة صنع القرار, فقد أصبحت هذه المراكز أمرًا ضروريا في كلّ بلدٍ نظرًا للدور المهمّ الذّي تلعبه في تقديم التوصيات والاستشارات لصنّاع القرار، خاصة إذا ما كانت هي ما يوكل لها تطوير المجتمعات ورسم سياساته فضلاً عن دراسة أهمّ الظواهر السياسية، أو الاقتصادية والأمنية والتنبؤ بها وتطوير الأفكار والنماذج المعرفية التي من شأنها قيادة الدول إلى النهوض والتطور وصناعة التغيير ولعل هذا المؤشر والمكون من 28 معيارًا يجب الأخذ بها في المراكز والعمل بها ويمكن لنا في هذا المقال أن نذكر بعض هذه المعايير والتي أعتقد أن المراكز العربية تفتقد العمل بها وهي أولاً: جَودةُ وسمعةُ التحاليل المُنتجة. من خلال القدرة على إنتاج بحوثٍ عاليةِ الجودة، ذات أصالة عميقة، وسياساتٍ موجّهةٍ، ذاتُ قابليٍة للوصول إلى صنّاع القرار، والجمهور فللأسف بعض الدراسات تعتمد على الكم وليس الكيف ونقصد في الكيف كيفية بناء أو تغيير سياسات مبنية على براهين. ثانيا: أثرُ بحوث المراكز وبرامجها ومبادراته على صنّاع القرار. والتوصيات السياسية التّي تمّ أخذها بعين الاعتبار في القرارات أو تبنّيها في وضع الخطط. ثالثا: قُدرة المراكز على إقناع الفاعلين من صناع القرار والذين يقومون برسم السياسات وتطوير علاقات فاعلة مع مراكز الأبحاث الأخرى للاستفادة من الخبراء وتوطين المعرفة. رابعاً: قدرة المراكز على إنتاج معرفةٍ جديدةٍ أو تطويرها، وابتكار مقترحاتٍ ومبادرات نوعية أو طرح أفكارٍ بديلةٍ وبناء سيناريوهات محتملة من شأنها زيادة مكنة الأفكار الجديدة. خامساً: القُدرةُ على ردم الهُوّة بين المجتمعات الأكاديمية وصنّاع القرار وأيضا بين صنّاع القرار والجمهور. وهذا للأسف ما تمارس عكسه كثير من مراكز الدراسات فهي تحاول أن تبتعد عن الجماهير وتخلق فجوة فلا تسطيع أن تكسب الجماهير أو أن تشخص الواقع وتعرف الأسباب وتقدم الحلول كما أنها لا تستطيع أن تقود التغيير المطلوب أو أنها تواكب تطلعات صناع القرار فهي أشبه بعيادات صحية لا تقدم إلى أدوية مستوردة من قبل أشخاص يلبسون أدوات الأطباء فقط, فالطبيب الذي يصنع الدواء أكثر قيمة من الطبيب الذي يصرف الدواء. سادسا: التأثيرُ وتوجيه الجمهور لسياسات التي تصنع وهذا يتطلب علاقاتٍ مباشرةٍ بين جهود المراكز والجماهير وبناء ثقة ومعرفة وارتباط في احتياجاتهم وإيمانهم بما تطرح تلك المراكز. سابعا: وهذا ما تعاني منه كثير من المراكز وهو تنوّع واستقرار التمويل. بحيث يضمن قدرة هذه المراكز على حشد الموارد التمويلية واستدامتها لتقديم خططها والتي لابد أن تشمل هذه المعايير، إن الجوانب المالية على الرغم من أهميتها واعتبارها عنصر فعال لكن قد تكون دون جدوى إذا ما وظفه في الطريقة الخاطئة وبطرق التقليدية التي يعمل فيها في الوقت الراهن هذه المعايير الستة التي تم ذكره بالإضافة إلى المعايير الأخرى المذكورة في تقرير جامعة بنسلفانيا الأمريكية والمتعلقة بالكفاءات البشرية والإدارية ستجعل من مراكز الدراسات في الدول العربية تحظى بثقة صناع القرار وتتبنى الخطط والمنتجات التي تخرج منها.