ابتليت بحبّ الكلمة، وانتقاء الكلمة، وتأمّل الكلمة، والوقوف معها وعليها، وتحليلها ونقدها؛ لأنّني متيمة بالكلمة، عاشقة للحرف العربي. أقرأ صفحة المرء في تويتر، فيتجلّى لي عقله وثقافته، وقدرته اللغويّة، وسعة صدره، وإبداعه، بل أجد نفسي بحكم عملي الإشرافي ناقدة من الطراز الأوّل؛ فأستطيع من خلال مجموعة من التغريدات تحليل الشخصيّة، وفهم ظلالها النفسيّة. في غالب الأمر لا يجيد الكلمات إلّا شخص عاطفي؛ لذلك سمّوا الشعر الغنائي بالشعر الوجداني، فالمديح والهجاء والرثاء والغزل كلّها تنبع من عاطفة عند الشاعر.. والناثر لن يكتب ما لم ينفعل بفكرة معيّنة. والكلمات التي نمطر بها سماء الآخرين حبًّا أو غضبًا أو حنانًا لن تصدر إلّا عن أشخاص انفعاليين تتأجّج عواطفهم. الكلمة.. هي سهم يمزّق حواجز الصمت، ويخترق القلوب، فيدميها ويبقى أثر ألمه جرحًا غائرًا لا يندمل، أو يهتك ستر ظلامها، فيوقد في أرجائها مشاعل السعادة والحبّ. عجيب أمر هذه الكلمات، إنّها مخلوقات سحريّة.. تؤلّف وتباعد.. تجرح وتضمّد.. تحزن وتسعد.. فما قيمة الكلمة في حياتنا؟ وما واقعها؟ وكيف نجيد صناعتها؟ الكلمة ذات قيمة كبيرة في حياتنا؛ فالكلمات في طفولة المرء تصنع شخصيته بالدعم والتعزيز والتوجيه، أو التعنيف واللوم والتوبيخ.. وبعض الكلمات تكتب مستقبلًا مشرقًا للطفل، أو مستقبلًا مظلمًا تائهًا. إنّ أطفالنا يجيدون الإنصات إلينا؛ ينتظرون كلمات الحبّ والثناء والإعجاب، ويهوون التحاور معنا لننصت إلى أفكارهم، وتسعدهم نظرات عيوننا المتسعة انبهارًا بما يقولون، وابتسامتنا إعجابًا بآرائهم، وكلماتنا الناصحة الموجّهة لهم. وإنّ أصدقاءنا يزدادون منّا قربًا حين نصغي إليهم، ونقدّم لهم نصائحنا القيّمة؛ فأقوى علاقات الصداقة هي ما كانت نتاج كلمات ذات تأثير. ولا شكّ أنّ أقوى العلاقات بين الزوجين تلك العلاقة القائمة على الكلمة الطيبة، والانسجام الفكري؛ فكلّما تقاربت الأفكار والتقت العقول تحقّق الانجذاب وحبّ الحديث، وتعالي مستوى العاطفة ومنسوبها. ألا ترون معي أنّ الكلمة ساحرة؟ وتفعل بنا الأفاعيل؟ كم من الأشخاص كرهناهم لكلماتهم القاسية النابية! وكم من الأشخاص أحببناهم لكلماتهم الراقية المعسولة! وكم من الأشخاص نعجب منهم؛ إذ لا يقدرون على النطق بكلمة طيبة! جرّبوا العلاج بالكلمات.. افتحوا لها مجرى في حياتكم.. انتقوها.. زينوا بها مجالسكم.. قولوا للناس حسنًا.. فإنّ من البيان لسحرا. ألم تتذوقوا مرارة الكلمات يومًا؟ ألم تتذوقوا برد الكلمات وعذوبتها أيامًا؟! أيّهما الأولى بالديمومة والبقاء؟ وأيّهما الأحقّ بأن نتخذه أسلوب حياة؟ إنّ الكلمة الطيبة حسنة؛ وثمرة، فازرعوا البذرة الطيبة لثمار طيبة! ** ** - خلود بنت عبد الله إبراهيم النازل