قضية تصعيد قطر وجماعة الإخوان لحادثة اختفاء جمال خاشقجي ليس هدفها الخاشقجي، ولكن المقصود مباشرة هو المشروع الحداثي التنموي للأمير محمد بن سلمان. هذا ما أشار إليه الزميل الأستاذ عبدالرحمن الراشد في مقاله يوم الخميس على جريدة الشرق الأوسط. وأنا اتفق معه تماما، فمواجهة مشاريع (التأسلم السياسي) بقوة وحزم ودون مجاملة لأحد، كان لا بد وأن يواجه مقاومة وممانعة وتحدي من النظام القديم سواء كان في المملكة أو في المنطقة، فمشروع التأسلم السياسي كان في المنطقة العربية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، وبدأ في المملكة منذ بداية نظام التعليم المنهجي، لذلك كان متجذرا ومنتشرا ومختلطا بالهوية العربية الموروثة، ولم يكن يواجه مقاومة تذكر فلم تكن لمشاريع الحداثة والتنمية وجودا إلا لدى بعض النخب التي تلقت تعليمها في الخارج، وهم قلة، وتظهر بخجل بين الفينة والفينة في بعض المقالات والكتابات هنا وهناك. جماعة الإخوان وقطر ومعهم تركيا أردوغان كانوا يعلقون آمالا جساما على ما أسموه (الربيع العربي)، وتمكنوا من ضم أمريكا أوباما إليهم، وتحالفوا مع الإسلام السياسي الشيعي والسني، غير أن تلك الآمال سقطت وتلاشت نتيجة لمواقف المملكة الصارمة والحازمة تجاه مشاريع التأسلم السياسي، منذ الملك عبدالله وانتهاء بالملك سلمان، وولي عهده الشاب الأمير محمد بن سلمان، بل أن الأمير محمد أعلن أنه سيحطم الصحوة والتشدد المتأسلم تحطيما كاملا، ونفذ ما يقول بشجاعة وإقدام لا تعرف اللين ولا التثاؤب، الأمر الذي حاصر الجماعات المتأسلمة وعطل جميع مشاريعهم، وزاد ورطة المتأسلمين عندما وجدوا هذا القبول الكاسح وغير المسبوق للانفتاح والتغيير من قطاعات الشباب الذين يشكلون الأغلبية الكاسحة في المملكة والدول العربية، وما نشهده الآن من تحالف جماعة الإخوان وقطروتركيا، ومن خلفهم نظام الملالي في إيران، هي في حقيقتها مواجهة لمشروع المملكة، الذي كان يشكل في حقيقته خطرا وجوديا عليهم. وأنا على يقين لا يخالجه شك أن قضية اختفاء أو إخفاء جمال خاشقجي، والضجة غير المعقولة التي رافقت اختفائه، لم يكن المقصود منها الانتصار له، أو أنها ضد قتله أو اعتقاله كما يزعمون، ولكنه كان مجرد وسيلة تهدف إلى أمرين: أولهما الدفاع عن حليف جماعة الإخوان، ملالي الفرس الذين من المتوقع أن يواجهوا عقوبات صارمة وغير مسبوقة من المجتمع الدولي، والأمر الآخر لأنهم يدافعون عن مشاريع التأسلم السياسي، التي فتحت لها قطر خزائنها على مصاريعها. وليس لدي أي شك أن هذه المؤامرة الخبيثة سيكون مآلها للفشل، لأن الناس عرفوا خطورة ودموية التأسلم السياسي، وكم هو خطر جسيم على أوطانهم، وعلى استقرارهم. ولأن الإنسان بطبعه يبحث عن الانفتاح وعدم التزمت، وإلا فإن نموذج مشروع التأسلم السياسي في نهايته هو (دولة الخلافة) التي رأى الناس مثالا حيا لها في العراق وسوريا. الأمير محمد بن سلمان رجل لا يجود به التاريخ إلا لُماما، ومثل هؤلاء الرواد لديهم دائما وأبدا مشاريع حضارية، ومن يعمل وفق رؤية ومشروع لا يمكن أن يفشل. هذا مالم تدركه جماعة الإخوان. إلى اللقاء