فيروس كورونا غيَّر وجه الحياة في العالم؛ هذا الفيروس الصغير جداً في حجمه الذي لا يُرى بالعين المجرَّدة الكبير في تأثيره العظيم في خطره قلب الدنيا في جميع بلدان العالم رأساً على عقب. توقفت مصانع، عطّلت مدارس وجامعات، نامت أسراب طائرات في مضاجعها، خلت مطارات من ملايين المسافرين، تعطَّلت شبكات طرق حديدية بين البلدان بآلاف الكيلومترات، خلت الساحات والميادين التي كانت تعج برواد المطاعم والمقاهي والأسواق في كبريات مدن العالم كلندن ونيويورك وبرلين وميونيخ وميلانو وباريس وشانغهاي وبكين ووهان وغيرها. أجّلت مؤتمرات عالمية، وندوات علمية، ومعارض كتب، وعروض أزياء، وحفلات فنية ومباريات رياضية، وألغيت زيارات رسمية لعدد من رؤساء ووزراء دول العالم. وهوت أسواق المال إلى الأسفل فتراجعت البورصات العالمية للأسهم، وفقد البترول تماسكه القديم وخسر 30 % من سعره فرجع إلى أسعار 1991م وتراوح سعر البرميل بين 30 للخفيف إلى 33 دولاراً للثقيل، وتوقفت السياحة فلا برامج تقترح، ولا متنزهات تعمر بزائريها، ولا فنادق تضج بروادها، ولا شركات طيران تتنافس في جلب زبائنها، بل سرحت أو منحت عطلاً طويلة لعدد كبير من موظفيها اختصاراً للنفقات ومحاولة للحد من الخسائر المتوالية مع تصاعد مد الفيروس في جميع أنحاء العالم. لقد عزل كورونا مناطق من دول يسكنها ملايين من البشر؛ كما فعلت إيطاليا في عزل إقليم ميلانو الذي يقطنه خمسة عشر مليوناً، وأطلقت عليه منطقة حمراء. وعزلت دول عدة مدناً كاملة يسكنها ملايين عزلاً تاماً؛ كما فعلت الصين في الحجر على سكان مدينة ووهان الصناعية والتعليمية التي يقطنها اثني عشر مليوناً، وهي موطن انطلاق الفيروس. وعزلت المملكة محافظة (القطيف) لوجود أعداد محدودة بطريقة محكمة وأوقفت التعليم فيها لمنع انتقال الفيروس من المحافظة إلى خارجها. إنه وباء، لا شك في ذلك؛ ليس على الصحة فحسب، بل على نشاط وحيوية وإنتاج الإنسان، ليس بمن يذهبون ضحية إصابتهم بالفيروس وتمكّنه منهم لأسباب مرضية مزمنة متعدِّدة؛ بل بمن يخيفهم ويرعبهم وتتخذ الإجراءات الاحترازية الوقائية من أجل دفع فتكه وأذاه. الخوف من المرض استدعى الإجراءات الاحترازية الضرورية التي لا بد منها للوقاية، وهي إجراءات لازمة تلام أية دولة لو لم تتخذها أو تساهلت فيها. إن نقداً حاداً يوجه في عديد من وسائل الإعلام إلى إيران التي أصبحت مرتعاً ثانياً للفيروس تفوق على ووهان الصينية؛ فأصبح الصينيون يكتشفون حالات عدوى متعدِّدة قادمة إليهم من إيران حتى بعد إيقاف حركة الطيران المباشرة، المشكلة أن المسافر المصاب قد يسلك مساراً متعدِّد نقاط التوقف ليقفز على منع الطيران المباشر، وهنا تقع الكارثة لأية دولة تحرص على قطع كل أواصر الصلة بالدولة الموبوءة. لقد اتخذت قيادتنا -وفَّقها الله- إجراءات حازمة وحكيمة لحماية مواطنيها؛ فأوقفت مؤقتاً العمرة والزيارة، وعطَّلت المدارس والجامعات، وطلبت فحص CRP من كل قادم من دول موبوءة ومنعت السفر لعدد من الدول.