لم يكن مترجمًا، وإنما كان مبدعًا فذًّا، حتى حياته كانت حياة مبدع حقيقي، فمنذ لحظة سفره إلى برشلونة لدراسة الطب، ثم تحوله لدراسة الصحافة لمدة سنة، ثم شعوره بالقلق، والبحث عن ذاته، حتى صادف يومًا صديقًا في مقهى في برشلونة، يحمل كتابًا بيده، فسأله عم يقرأ، وإذا هي الطبعة الأولى من رائعة ماركيز «مائة عام من العزلة»، كان ذلك في سبعينات القرن الماضي حينما التهم الفلسطيني صالح علماني هذه الرواية، وقد تغلغلت واقعيتها السحرية في داخله، فانطلق يركض مهووسًا في الأدب الإسباني، حتى ترجم نحو خمسة وسبعين رواية من أمريكا اللاتينية. يقول علماني الذي رحل عن سبعين عامًا: أن تكون مترجمًا جيدًا، خير من أن تكون روائيًا سيئًا، هكذا مزق روايته الأولى بلا رحمة، ولا أدنى تردد، فكسب العالم العربي مترجمًا رائعًا في ثوب روائي، لأنه يقدم الرواية كما لو كانت مكتوبة بلغة الضاد، حتى أصبح القرَّاء العرب يلتقطون أي رواية مكتوب عليها، ترجمة: صالح علماني، بصرف النظر عن اسم الروائي من أمريكا اللاتينية أو ممن يكتب بالإسبانية عموماً، أصبح اسمه على الأغلفة ماركة فاخرة، هذا الذي بدأ الترجمة بفصلين من «مائة عام من العزلة» ثم توقف، وترجم قصتين قصيرتين لماركيز، وصدرت رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» لماركيز بترجمته، ثم استمر يفتح نوافذ الأدب اللاتيني، نافذة تلو نافذة، حتى أصبح مشهد السرد الإسباني عمومًا عميقًا وواضحًا ومغريًا، هكذا حمل علماني لواء الترجمة بطريقة واسعة الرؤية، تتقاطع مع جهد سامي الدروبي في ترجمة الأدب الروسي، الذي ترجم جميع أعمال دوستويفسكي، وتولستوي، وغيرهما، وهما معًا من مواليد مدينة حمص السورية. يبقى السؤال الأهم، كيف نصنع جيلاً من عباءة علماني؟ كيف نكتشف عشرات المترجمين العرب البارعين؟ كيف نضمن لهم حياة كريمة ليتفرغوا للترجمة الأدبية المميزة؟.. أعتقد أن على المؤسسات الثقافية الرسمية منح هؤلاء التفرغ اللازم لإنجاز العديد من الترجمات لمختلف الآداب العالمية، لما لهذه الترجمات من أثر كبير على الأدب العربي. وعلى هذه المؤسسات أيضًا، إطلاق جائزة كبرى باسم «جائزة صالح علماني للترجمة»، تمنح الفائزين بها دخلاً يستطيعون به التفرغ لعمل الترجمة الأدبية.