تحدثنا في المقالة السابقة حول رحلة سعيد محمد السوسي، وهو شاب فلسطيني ولد في عام 1868م وأجبر على السفر من قبل السلطة العثمانية إلى اليمن بحجة الجهاد وجمع الزكاة من البلدان ومن القبائل اليمنية عام 1890م. *** يقول سعيد توجهنا إلى منطقة أخرى وحاصرنا أهاليها، وجدنا رجلا من طائفة اليهود فطلبنا منه أن يذهب كمرسول إلى صنعاء وقبل الرجل القيام بها بمقابل مالي، وأخذ الرسالة وراح يطوي الأرض والفيافي وأطلق قدميه للريح كعفريت من عفاريت سيدنا سليمان، وحينما وصل المرسول إلى صنعاء قد حضر إلينا من صنعاء أكثر من 1500 جندي عثماني، وحاصرنا المناطق الغربية، وكانوا العربان يهاجموننا كتيارات البحر وأطلقنا المدافع عليهم وقتلنا مايزيد عن 2000 رجل من العربان، ثم دخلنا قريتهم ورفعوا لنا بيارق الأمان طائعون ودفعوا لنا كل الأموال المترتبة عليهم، وبعد الانتهاء من هذه البلدة ذهبنا إلى بلدة أخرى وحملنا المدافع على ظهور الإبل وحينما وصلنا دخلناها بالمدافع وقدموا أهلها طائعين ودفعوا الأموال المترتبة عليهم. *** لم يغفل سعيد من تدوين أي من الملاحظات، حيث يقول: دخلنا بلاد بني قيس وبني أمية وبني تميم وذكر العديد من البلدان والقبائل التي دفعت الأموال عنوة، وبعد أن أصابته رصاصة مميتة في قدمه بقى لمدة طويلة يتعالج ويكتب مشاهداته وانطباعاته حول هذه الرحلة، إلى أن سمح له بالعودة إلى يافا، يقول حينما ذهبت وأنا مصاب لأخذ تذكرة السفر قالوا لابد أن تبقى لعمل الطرق القريبة من قصر الباشا، فبكيت ومن معي وتظاهرنا أمام زوجة الباشا وقال سعيد: لو أننا أتراك لسمحتوا لنا ولكننا عرب لذا نتحول إلى عمال فسمحوا له بالعودة. وحينما عاد سعيد إلى يافا وجد أبيه قد توفي من سنوات، وختم هذه المذكرات بالبكاء والتحسر والترحم على أبيه، يقول: سلمت مأموريتي وتزوجت ورُزقت بأولاد وهذا ماجرى والحمدلله على كل حال. ** **