في طفولتنا وببداية المرحلة الدراسية كان أول سؤال نتلقاه من المعلمين ماذا تُريد أن تصبح حينما تكبر؟ وحينَ ذاك كان هذا التساؤل مجرد سؤال تقليدي مُلقن للمعلمين ويتداولونه بكل عام. ولو تعمقنا في هذا السؤال لوجدنا أن له بُعدا إيجابيا. فالفرد هو ما يتصوره بذهنه عن حياته. وهذه التصورات هي التي ستُحدد أسلوب التفكير لدى المرء طيلة حياته. وهنا تذهبُ بيّ ذاكرتي في عمر (التاسعة) كُنت أحاكي والدتي عن تصوري لمستقبلي عندما أكبر. دائمًا أحدثها بأنني سأصبح أستاذة «الرياضيات» للمرحلة الابتدائية وأذكر حينها بأنني أصطحبُ معي (الطباشير) للمنزل وأكتب على جدران حجرتي جميع المسائل الرياضية وأشرحها متصورة بأن هناك عددا من الأطفال سيسمعون شرحي. حينها والدتي كانت تدعم في داخلي هذه الخيالات التي كُنت أرسمها داخل عقلي الصغير. عندما كبرت حققت ما كُنت أتصوره في ذهني. هنا كبر معي هذا التصور فلم يكبر فقط بنيتي أن أصبح أستاذة بل تعظم هذا الشعور بداخلي بسبب استمرارية تصوري لهذا المشهد. فالتصورات الذهنية هي بوابة للوصول. وهي طريقة لتفكير الجيّد حيث يبدأ الإنسان من داخله بتطوير ذاته وطريقة تفكيره وكيف يصل إلى تحقيق ما يريد. أيضًا نجد اهتماما كبيرا من علماء الطاقة ومدربي تطوير الذات على ما يسمى «بالطاقة الإيجابية، أو ما يتصوره العقل الباطني» حيث دائمًا ما نسمع أنت ما تفكر به، أنت ما ترى نفسك عليه، أنت ابن أفكارك. حيث أن هذه الأفكار هي من تُشكل شخصية المرء وأيضًا لها دور كبير بتقبله لآراء الآخرين، حيثُ أن هذه التصورات تعطي صاحبها المرونة. بالإضافة بأنها تعكس على تصرفات الفرد. ونستطيع أيضًا أن نسمي التصورات «عدسة» المرء التي ومن خلالها يستطيع أن يرى نفسه والعالم، بحيث يبدأ المرء بتغيرات سلوكية وأيضًا بتوجهاته. وهذه التصورات لها دور كبير باتخاذ القرارات. وهنا نتذكر ما قاله آينشتاين: «لا يمكن مواجهة المشاكل الكبيرة ونحن على ذات مستوى التفكير الذي كنا عليه عندما صنعنا هذه المشكلات». وهنا يظهر لنا تصور ذهني عميق جدًا، بحيث أن لا شيء يتحسن دون أن تغير طريقة تفكيرك وتصورك له، فتصور الأشياء هو من أهم أسباب النجاح. فالتصورات الذهنية عميقة ومهمة جدًا لتشكيل الأفراد وهي عدسة تنقل ما في دواخلهم إلى الواقع. وترى ذلك بأفعالهم وسلوكياتهم. وتمنحهم أيضًا الثقة والقوة ولو لاحظنا بأن الأفراد الذين يتصورون هم أكثر الأشخاص بهجة وتحقيقًا للأحلام. ** **