لكز حماره الأبيض بعد أن امتلأ الخرج بفتحتيه ببضاعة متنوّعة، يعتزم فرج بيعها في سوق السبت بالرومي، الوقت فجراً ثمة برودة لاسعة مع رياح شمالية، يلمحُ دخيل الله بامتنان وجه أبيه وهو منهمك في شد وثاق البضاعة فوق ظهر الحمار، أقمشة بهارات عطور ملابس نسائية ملابس أطفال حلويات، اندفع الحمار في المسار المحدد له صوب القرى الشمالية، كان دخيل الله يتساءل لم والده يأخذ جل ما في دكانه الصغير ويتجه بها إلى سوق بعيد عن قريتهم؟ لم يع أن السبت هو اليوم الذي يسبق عيد الفطر لذا تنعدم فرصة البيع في سوق الأحد بحلول عيد الفطر المبارك، وفي طريقهم شد أهداب عينيه المدرجات الزراعية المكللة بسنابل الحنطة يكاد اللونان الأخضر والأصفر يطغيان على مساحة النظر عدا سواد يشوب الجبال البعيدة، فرج ينهر الحمار حين يتراخى في السير يستعجله في الوصول، كان السوق قبيل طلوع الشمس مساحة غير مكتملة، بدأ الباعة يتوافدون أفراداً وزرافات، حدد موضعاً لبضاعته، انتزع أكياساً قد هيأها فوق الخرج، بهدوء فرشها على الأرض، لمح ابنه بعينين فائضتين من الحنان فهم منه تثبيت المفرش بحجارة جلبها من ركن السوق وبدأ بترو في إنزال الأقمشة الملونة الصمايد الحوك بجوار الملابس النسائية وثياب الأطفال في المقدمة رص أكياس صغيرة بعد أن حل أعناقها من رباط وثقه كي لا تختلط مع بعضها، المحتويات بن هيل شاي سكر عويدي وقريباً منها زجاجات لدهانات وعطور بجوارها حلويات منوّعة عسلية وحلقوم، بحبور وارف ملأت البضاعة عيني دخيل الله، كان السوق قد امتلأ بما يشبه ويختلف عن بضاعتهم المعروضة تزايد عدد المرتادين ينحرف البعض إلى بضاعة مجاورة لم يثن عزم فرج عن رفع صوته، ملابس عطور بن هيل سكر شاي يرطب لسانه عبارات اللهم لك الحمد.. يا فتاح يا كريم لتكون امرأة عجوز أول من نقده ثمناً لثوب مخطط بألوان زاهية وبه أيضاً رسم لورود صفراء وخضراء غادرت ووجها يفيض بفرح مكتوم، احتدم البيع والشراء زادت الجلبة مساحة السوق يحيطه من الجانب الغربي منازل حجرية بنوافذ مشرعة ودكاكين مصطفة وفراغ السوق المتبقي امتلأ بالتجار الوافدين ببضاعتهم المؤقتة المكان يعبق بشذا روائح لنباتات عطرية بعيثران ريحان كادي، يقبض بعض المتسوقين على هراوات كمن هم في نزال، وآخرون تمنطقوا بجنابا تبدو حوافها وكأنها أجنحة لطائر الحدأة سوداء اللون يتدلى منها كتل تهتز مع حركته أجسادهم، رجل انكشف سواد شعردرة الكث، إذ ليس هناك ما يحفظ الثوب القاتم المندلع ويسير بنظرات مشتتة في جنبات السوق يتبعه بعض الصبية وفي أيديهم عصوات اقتطفوها من شجيرات العثرب والأركوض النابتة على حافة السوق، لم يبد أي مقاومة، إذ يسيرونه بما يريدون ماشطين به السوق ذهاباً وإياباً، تناقص عدد رواد السوق الوقت ظهراً لتكون محصلة البيع دراهم دسها فرج في جيوب كمر أبيض مُجمّل بلواصق نحاسية لامعة، بان السرور على محيّاه وهو يعيد ما تبقي في فتحتي الخرج لكز الحمار لينكص بخفة في ذات الطريق التي جاء منها، لم يلفت انتباه دخيل الله تلك الطيور الملونة المحلقة في الفضاء القريب والتي تحط فوق أغصان الأشجار الخضراء، ولا المصاطب الزراعية التي ملأت سفوح الجبال، بل ترسخ في ذهنه صورة ذلك الرجل المنفوش الشعر صاحب الوجه المتوهن أسىً وحزناً وصراخ الأطفال يتردد في مسامعه وهم يسوقونه كدابة مطيعة. ... ... ... * السوق نسبة لقرية الرومي ببلاد زهران ** **