** قبل شهر ونصف الشهر (4-1-1441ه) صلى معنا عليه في «جامع البسام بعنيزة» ولم يكفِه؛ فوقف في الصف الطويل على الرغم من الحر الشديد، وسمعنا صوته المتهدج قبل أن يصل إلينا في «مظلة العزاء» بمقبرة الرحمة؛ داعيًا لوالدنا الغالي رحمه الله بالمغفرة، وحاثًا إيانا وأولادَنا وذوينا على الصبر في سبيل الأجر، وتوارى وسط الزحام ولم يغب صوتُه. ** كان لصاحبكم أستاذًا وصديقًا، ولوالده رفيقَ عمرٍ خصبٍ؛ فشاعرنا المربي الأستاذ محمد السليمان الشبل 1348-1441ه لم ينقطع عن مدينته خلال دراسته في كلية الشريعة بمكةالمكرمة ثم عمله معلمًا ومديرًا لمدرستي الرحمانية والعزيزية المكيتين الثانويتين، وظل بارًا بوالديه المقيمين في عنيزة حتى رحيلِهما، وكان يحرص في الإجازة الصيفية على استعادة حفظه من القرآن الكريم مع شيخ كفيف يسكن بجوار مسكنه في حي الجوز، ثم استقر بعنيزة بعد تقاعده قبل اثنين وثلاثين عامًا (1409ه) فانتظم مع الوالد -غفر الله لهما- في أكثرَ من جلسة صباحية ومسائية، وربط بينهما لقاءٌ خاص عصر أول أحدٍ من كل شهر هجري، وغاب الوالد عن «أحد» شهر الله المحرم، وسيغيب أبو سليمان عن «أحد» ربيع الأول؛ فلله حكمُه وحكمته، والعزاء لرفاقهما: الأستاذ عبدالعزيز العبدالرحمن البسام والدكتورين أحمد بن عبدالعزيز البسام وفريد بن عبدالعزيز الزامل. ** ظلَّ صاحبكم حريصًا على لقائه وقت حياة الوالد، وصار أحرص بعد وفاته، وجمع بينهما لقاءٌ قريبٌ فجلس بجانبه، وتحدث أستاذنا عن وضع الصحافة؛ فهو أحد أعضاء الجمعية العمومية لصحيفة «الندوة» المتوقفة و»مكة» الصادرة حاليًا، وحكى عن انتظام وصول بعض الصحف إلى منزله، وبدا أنه يقرؤها من الصفحة الأولى حتى الأخيرة، ومنها «الجزيرة» التي خصَّها بحديث العارف عن زواياها وصفحاتها، وراق له وجود كاتبٍ «نصري» في صفحاتها الرياضية وسط الحضور الهلالي السائد، كما أشار إلى جدل في جريدة «عكاظ» بين كاتبٍ وكاتبة، ولم يكن صاحبُكم ذا دراية به، ولا تسعفُه ذاكرته الآن بتذكر تفاصيله. ** ويذكر فيما يذكر عنه دورية مغربية ثلاثائية تجمعه في بيت الخال محمد الصالح الرعوجي بالعالِم الزاهد المتواري عبدالله الصالح الفالح -رحمهم الله-، وأسف أن لم يسعفه ظرفُه بحضورها، وما أكثر ما نندم عليه، ولات ساعة مندم. ** كرمه مركز ابن صالح في مهرجانه الثقافي عام 1430ه وطبع له ديوانًا ثانيًا وهو: (أزهار وأشواك) بعد ديوانه الأول (نداء السحر)، كما كرمه «منتدى بامحسون»، وكتب عنه الشيخ عبدالله بن إدريس في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) الصادر عام 1380ه، وقال عنه: «إنه من الهائمين في صحراء الرومانسية والمُغِذين في ركبها المنطلق نحو المجهول»، وقبل أشهر أسمت عنيزة شارعًا باسمه. ** نبكيك اليوم يا أبا سليمان مثلما أبكيتنا، ونستعيد من شعرك عنك ومعك: أين؟ لا أين سوى تلك المنى وصدى الذكرى وأطيافِ رؤانا أين؟ لا أين سوى الرسم الذي بقيت ترنو إليه مقلتانا إيه؛ فلتبكِ الليالي معنا ولينحْ ذاك المعنّى لبكانا حلمًا يغرب في أفْق البِلى وحواليه الأماني تتفانى ** غرب الحلم وجفَّ رواؤُه ورؤاه، وكذا تمضي بنا الحياة فتُمضُّنا بالفقد والوجد حتى ما نكاد نفيق من ألمٍ حتى نصحو على آلام؛ فلك يارب حمد الشاكرين الصابرين. ** الدنيا ومضةٌ فغمضة. ... ... ... جدة - عصر السبت 19-10-2019م