قال أحد الأكاديميين الاقتصاديين (سونغ وون من جامعة لويولا ماريمونت) إنه يرى حرائق في كل مكان، لكنه لا يرى الكثير من رجال الإطفاء، وذلك في تعليقه على الأوضاع الملتهبة بالاقتصاد العالمي الذي بدأ يدخل مرحلة صعبة ودقيقة جدًّا مع الأخبار السلبية القادمة من الصينوألمانيا والعديد من الدول الناشئة؛ فالركود بات هو الصورة الأكثر مثولاً أمام أذهان المستثمرين ما لم تحدث المفاجآت بخطط تحفيز مناسبة. فأسواق المال العالمية شهدت أسبوعًا عاصفًا؛ إذ سقط مؤشر داو جونز الصناعي الأمريكي بنحو 3 % في يوم واحد، وفقد فيه 800 نقطة، وكان ذلك يوم الأربعاء الماضي، في رد فعل عنيف من المتعاملين بالسوق، بعد أن هبط عائد سندات 30 عامًا دون عائد السندات قصيرة الأجل، وهي من الإشارات على قرب حدوث ركود. فعندما يفضل المستثمر العائد القليل لأمد طويل فهذا يعني عدم ثقته بتحقيق معدلات نمو جيدة بالاقتصاد، وأن الركود هو الأقرب في المستقبل القريب. وقد غذى هذا الشعور إعلان الصين أكبر تراجع بناتجها الصناعي منذ 17 عامًا، سبقه إعلان دخول الاقتصاد البريطاني بركود، ولحقه إعلان ألمانيا تراجعًا حادًّا بأداء اقتصادها. وإذا ما تعزز بالربع القادم فهذا يعني فنيًّا أن ألمانيا أيضًا دخلت بركود. وهذه الدول هي من بين الخمس الكبار في العالم اقتصاديًّا. يضاف إلى ذلك واقع اقتصادات الدول الناشئة المتوقع أن تدخل في ركود، مثل الاقتصاد التركي، والأرجنتيني، والإيطالي، والمكسيكي، والبرازيلي، مع احتمال أن تلحق بها كوريا الجنوبية؛ وهو ما يشير حقيقة إلى وضع مأساوي، يحيط بالاقتصاد العالمي. لكن هل ما يحدث جاء بالمصادفة أم إن هناك عوامل أسهمت بشكل كبير في رسم هذا المشهد؟ في الحقيقة تعد الحرب التجارية التي شنتها أمريكا على الصين وبعض شركائها التجاريين، ككندا والمكسيك وغيرهما، أحد أهم الأسباب للانزلاق نحو مشهد الركود المحتمل بالاقتصاد الدولي. ومن الواضح أن تأجيل أمريكا فرض رسوم جديدة على الصين، وتصريح الرئيس ترامب بأن الحرب التجارية مع الصين ستكون قصيرة، مع إعلان الصين خطة تحفيز اقتصادي، وتوجه الفيدرالي لمزيد من خفض الفائدة، ما هي إلا دلالات واضحة على أنهم يرون توجهًا سلبيًّا للاقتصاد العالمي، ولا بد من المبادرة لمواجهة أي تداعيات سلبية قادمة. لكن من الواضح أيضًا أن الوصف بعدم وجود رجال إطفاء يكفون لوأد تلك الحرائق هو الأقرب للواقع؛ فما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي أكبر بكثير مما أُعلن. والخشية أنه لم تعد هناك ذخيرة كافية لدى الدول الكبرى لتنشيط اقتصادها؛ فأمريكا ستحتاج مع خفض الفائدة إلى تيسير كمي جديد، وإنفاق ضخم على بنيتها التحتية، وكذلك الصين وأوروبا، وأهم الاقتصادات في العالم؛ وهو ما يتطلب إنفاق تريليونات من الدولارات. فهل يمتلكون القدرة على ذلك مع ارتفاع ديونهم السيادية لمستويات قياسية حاليًا؟ العالم سيشهد ثلاثة أشهر قادمة حافلة بالتطورات بين مد وجزر، وسيكون لزامًا على الدول الكبرى أن تميل لسياسات نقدية مرنة ومالية توسعية، وأن تنهي خلافاتها التجارية، وتنتقل لمرحلة من التعاون الذي يخدمها ويخدم الاقتصاد العالمي، وإلا ستكون النتائج كارثية، والركود عميقًا، وقد يكون طويلاً، وينتقل لتطورات لا تُحمد عقباها، كالحروب العسكرية، مع تزايد حالات الصدام السياسي التي نشهدها الآن بين الدول الكبرى.