يقف العالم المتقدم على عتبة العالم الناشئ والبلدان المنتجة للنفط. يستجدي مساعدةً لحل أزمة المال العالمية، يكثّف جهوده، و... يهدّد. الأزمة ستطاول الجميع، تقذف ثروات العالم إلى المجهول، نحو الهاوية. الكرة الأرضية تفتقر، قبل أن... يُفنيها انبعاث ثاني أوكسيد الكربون والغازات المضرّة بالأوزون. الولاياتالمتحدة، ألمانيا وبريطانيا وغيرها، تتوافد نحو بلدان الخليج المنتجة للنفط، في المقدمة السعودية صاحبة المكانة المؤثرة في منظمة"أوبك"، بأكبر احتياط في العالم وأعلى قدرة على الإنتاج وسياسة متوازنة. الاتحاد الأوروبي والدول السبع الكبرى تلجأ إلى الصين، صاحبة أكبر احتياط نقدي في العالم، تجاوز تريليوني دولار. الجميع يبحث عن موارد مال تنقذ الاقتصاد العالمي من الركود. خِزانات الدول ومصارفها المركزية، تعجز عن أن تستوعب"بحبوحة"الخسائر الجسيمة. في الخسائر العادية فريقٌ يخسر ليربح آخر. الأموال تبقى لكنها تنتقل بين فرقاء متنافسين، فلا يحتاج الاقتصاد إلى أموال. فقط تحوّلت منابع موارده. أما الخسائر الدفترية فتبخّر الثروة، تذهبُ هباءً، لا أحد يربح، تبخسُ القيم، يصيرُ الشيء لا شيءَ... هكذا يتدهور الاقتصاد نحو الحضيض. الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر الخسائر، ومبتدعة أهم خطة إنقاذ، يتجاوز عجز موازنتها العامة 10 تريليون دولار. عجزها التجاري 700 بليون دولار في السنة. الأميركيون الذين تعوّدوا أن ينفقوا 800 بليون دولار زيادةً على دخولهم، عاجزون عن الإنفاق راهناً وفي المستقبل. أميركا طلبت من الصين أن تزوّدها بپ500 بليون دولار ديناً إضافياً على اكتتابات الدولة الناشئة في سندات الخزانة الأميركية. الاستثمار الصيني كان مرفوضاً قبل أشهر. الآن قد تضع الصين شروطاً. لا توجد خدمات مجانية بين الدول. ألمانيا وبريطانيا تطمحان إلى جذب استثمارات عربية تنقذ مؤسساتها الجانحة نحو الإفلاس. دول مجلس التعاون الخليجي، تتقدمها السعودية قادرة وحدها أن تفك حزمها المالية الخاصة والسيادية. الجميع سيشارك في قمم الإنقاذ ورسم سياسة اقتصاد جديدة لنحو 7 بلايين نسمة تثقل خريطة العالم، ويهددها الركود. المشكلة، أن البلدان المنتجة للنفط والبلدان الناشئة، لا تتمتع بهامش مناورة واسع. البلدان الصناعية هي المستهلك الأكبر للنفط والمتلقي الأوسع لمنتجات البلدان الناشئة، والحاضنة الأكبر للمهاجرين، من تلك البلدان، والعاملين لديها. حوّلوا في 2007 إلى بلدانهم 240 بليون دولار. الكساد الذي يطاول الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ينعكس على الجميع. بطء عجلة النشاط الاقتصادي تستوجب تسريح عمالٍ، قدّرتهم منظمة العمل العالمية بپ20 مليوناً إضافية هذه السنة. تستوجب أيضاً خفض أجور، وتقليص القدرة على الاستهلاك. النتيجة، طلباً أقل للنفط ومشتقات المحروقات، واستهلاكاً أدنى للسلع المشتراة من البلدان الناشئة. وتالياً انخفاضاً في أسعار النفط، وتعثّراً في نمو التصدير، ما يعني تقلّص نشاط الإنتاج في البلدان الناشئة أيضاً، التي تنعكس بدورها تسريحاً لعمال ودمج مؤسسات وانخفاضاً في الطلب على النفط والمحروقات. البلدان المنتجة للنفط ليست في منأى عن التأثيرات السلبية ذاتها. بل بدا التأثير واضحاً وجلياً. أسعار النفط لفصل الشتاء، تشهد في العادة صعوداً. الأزمة الراهنة تشدها نحو التراجع. تتعدل الموازنات العامة. يتدخل خادم الحرمين الشريفين ليخص الأسر المتواضعة الدخل بعشرة بلايين ريال سعودي. بلدان مثل إيران وفنزويلا، المناهضة أصلاً للسياسة الأميركية، وتسعر نفطها باليورو، خسرت عائدات بخفض الإنتاج. ومثلها الاتحاد الروسي الذي يشهد احتياطه النقدي يتآكل. هل هي حرب اقتصادية عاتية؟ متى ساهمت البلدان الناشئة والبلدان المنتجة للنفط في تغذية شرايين العالم المالية؟ ينتعش الاقتصاد العالمي. تعود الدورة الاقتصادية إلى نهجها التقليدي، وإن تشرّبَها الجسمُ الاقتصاديُ الهش ببطء، إنه يتدافع مثل أحجار"الدومينو". حجرةٌ توقع البقية. البلدان الناشئة والبلدان المنتجة للنفط، قد يضطرها الواقع إلى أن تساهم مالياً في إنقاذ الغرب"المتقدم"! لا خلاص من دونها. إنقاذه، إنقاذٌ لها أيضاً. هذه البلدان، سابقاً، حوّلت عائدات النفط إلى عقارات، إلى شواهق تتنافس في الارتفاع. استثمرت في قطاع لا تشمل عائداته المواطنين جميعاً. لم تستثمر في الإنتاج الصناعي. لم تنوّع اقتصادها. تأمين فرصة عملٍ واحدة في الصناعة يوفر فرصتين في قطاعاتٍ أخرى. متى توزّع الدخل على شريحةٍ أوسع من المستهلكين تماسك الاقتصاد. في الصين والبلدان الشبيهة، يختلف السلوك الاقتصادي. شريحةٌ كبرى من الصينيين غير قادرة على الاستهلاك. لذا يبقى السوق الخارجي منقذاً. الأهم أن احتياط صندوق النقد الدولي يحتاج إلى أن يعزز موارده، أمواله 250 بليون دولار، قد لا تكفي لإنقاذ البلدان التي باشرت تعلن إفلاسها. فهل يثمّن الغرب المستقوي أهمية البلدان الناشئة وتلك المنتجة للنفط ويشركها في رسم السياسة الاقتصادية للألفية الثالثة؟