قالت الناقدة والكاتبة في «المجلة الثقافية» الدكتورة نورة القحطاني، في حديثها ل «الجزيرة»، عما يثار عن (حرب المصطلح بوصفه أبرز الفاعلين في التواصل أو القطيعة الثقافية بين المجتمعات : «يشكل المصطلح أهمية خاصة لجميع العاملين والمشاركين في إنتاج المعرفة المتخصصة، والتعبير عنها، والاتصال بها وتعليمها. ولا يوجد تخصص لا يحتوي على وحدات محددة لتسمية مفاهيمه التي تساعد المتخصصين على نقل المحتوى بشكل أكثر فعالية في فهم السياقات والنصوص المتخصصة. يبدأ استخدام المصطلحات من مستويات بسيطة للغاية في حياتنا العادية ويتطور إلى مستويات تواصلية أعلى. ومن شأن تعلم مفردات التخصص والسيطرة عليها أن يمنحنا الفرصة لفهم موضوعات محددة والتواصل بشأنها. فعلى سبيل المثال، لإجراء حوار حول السياسة، نحتاج إلى معرفة المصطلحات المناسبة للسياق حتى نتمكن من استخدامها في مناقشاتنا. وإذا كنت مهتمًا بقراءة مقالات حول السينما أو الفن، فأنت بحاجة أولاً إلى معرفة مفردات هذا المجال لاكتساب المعرفة وإدراك المعنى. وقالت القحطاني : مع تعقد العلوم وانتشارها، وتغير المجتمعات وتطورها، وتأثير العولمة على طرق التفكير والمعتقدات والقيم والهوية، داخل البيئات الثقافية وفيما بينها، برزت الحاجة إلى التواصل والتفاوض والعمل بفعالية مع أشخاص من ثقافات أخرى مختلفة تتطلب الانفتاح والمرونة والفهم العميق للغة الآخر ومصطلحاتها. وتكمن المشكلة الحقيقية في التواصل بين الثقافات في نقل الرسائل وفي استقبالها. فعندما تكون المصطلحات غير مفهومة بشكل واضح ومتسق مع السياق والفهم العام، فقد تؤثر بشكل كبير على العملية التواصلية والمعرفية المحتملة التي سيحدثها هامش الخطأ في استخدام هذه المصطلحات في الإنتاج النصي أو الشفوي. في التواصل بين الأفراد من نفس الثقافة، يفسر الشخص الذي يتلقى الرسالة محتواها على أساس القيم والمعتقدات وتوقعات السلوك المشابهة لسلوك الشخص الذي أرسل الرسالة. وعندما يحدث هذا، فمن المحتمل أن تكون الطريقة التي يتم بها تفسير الرسالة من قبل المستقبل مشابهة إلى حد ما لما يقصده المرسل. ولكن، عندما يكون مستلم الرسالة شخصًا من ثقافة مختلفة، سيستخدم المتلقي معلومات من ثقافته لتفسير الرسالة، وقد تختلف الرسالة التي يفسرها المستلم تمامًا عن مقصود المرسل، ومن هنا يحدث اللبس في الفهم أو النفور والاختلاف. وأضافت د. نورة : فهمنا للمصطلحات يساعد على ردم هذه الفجوة بين الثقافات المختلفة. لكن هذه المفاهيم تتحكم فيها قوى سياسية واجتماعية وأيديولوجية تؤدي إلى تعميم أو تصنيف الثقافات ضمن خصائص نمطية، وكما تشير نظرية النقد الثقافي، فإن وسائل الإعلام تفرض هذه الأيديولوجيا المهينة على بقية المجتمع، وأن دلالات الكلمات والصور هي أجزاء من الأيديولوجية التي تؤدي خدمة غير مقصودة للنخبة المسيطرة. ولهذا فإن استيعاب المصطلح واستخدامه أو استبداله بآخر لم يعد يتأثر فقط بتطور علوم اللغة أو كفاءة المتحدث وفهمه لقواعد اللغة ومفرداتها، بل تشترك عناصر أخرى كالخطاب السياسي السائد، والخطاب الإعلامي البراغماتي، إضافة إلى النظام الاقتصادي والاستهلاكي أيضاً، في نحت مصطلحات جديدة أو انزياح دلالاتها بما يتناسب مع تغيرات هذه الخطابات وأجندتها. وختمت نورة حديثها في هذا السياق قائلة : كل هذا يتطلب من المتخصصين اهتماما أساسيا بمناقشة الأعراف الثقافية المتداولة حول معيارية اللغة وتراجع استخدامها مقابل الصورة والرموز التعبيرية. إضافة إلى بحث كيفية استخدام الفرد للمصطلحات والنشاطات الأخرى السيميائية لإنشاء نماذج جديدة واستخدامها بحساسية واعية لأنماط التواصل اللفظي وغير اللفظي في ثقافته والثقافات الأخرى، وإدراك الإيماءات التي قد تكون مسيئة أو تعني شيئًا مختلفًا في ثقافة الآخر!.