تنظر السيميائية البصرية للفنون التشكيلية على أنها مصدر ابتكار العلامات والرموز التعبيرية بشكل جمالي، وتعدها عملية ذاتية المنشأ وجماعية التفاعل وتتميز بخصائص العملية الإبداعية وتصاغ علاماتها من الطبيعة والبيئة والمجتمع ووجدان الفنان متفاعلة مع عناصرها وصياغتها بمفردات يمكن أن تبتعد عن لغة الطبيعة البصرية ودلالاتها، وذلك بالتحريف والتحوير والحذف والإضافة والتجميع وعمليات أخرى هي جميعها عمليات سيميائية تعبيرية تعتمد على الإبداع، وهذا هو ما أركّز عليه بالتحديد. ولغة الفن التشكيلي ما هي إلا نظام تعبيري تلقائي لعلامات بصرية ورموز مرئية تستخدم لتبادل الأفكار والمشاعر بين أعضاء الجماعة والمجتمع، فهي نظام اتصالي بين الفنان وجمهوره، فإذا عجزت اللغة اللفظية عن التعبير فإن اللغة البصرية قادرة على التعبير والتعبير المتنوع والإبداع. تتسم اللغة الفنية بسمات أهمها:- يمكن أن تخاطب أكثر من حاسة في نفس الوقت. تعبّر عن المشاعر والأفكار بشكل اتصالي. يمكن أن تصاغ بأساليب وطرق متنوعة. تثبت وتتغير تبعاً لفلسفة المجتمع. قد تثبت شكلياً وتتغير دلالياً مع مرور الزمن. تعتمد على العلامات بأنواعها (إشارات، رموز، أيقونات...الخ). كما أن اللغة البصرية مرّت بتطورات لما كانت من في مرحلة الأشكال والرسوم ذات الدلالات الجامدة والتسميات الثابتة إلى الكلمات المرنة التي ترمز أكثر مما تدل. والمرحلة الثانية هي من العلامات والرموز غير النقية إلى العلامات والرموز النقية، والنقاء هو فرار العلامة من الاشتراك في معنى، فمع تطور لغة الفن التشكيلي ابتكرت علامات ورموز متعددة المعاني. وتعد المصادر التالية هي منبع اشتقاق المفردة التشكيلية أو العلامة الطبيعة والبيئة والمجتمع ووجدان الفنان. إن عملية إنتاج العلامة في الفن التشكيلي عملية تحتاج لإبداع فعلي من فنان ماهر في التواصل؛ فهي تمثل تجربة ما فيكون الفنان انتقائياً بمعنى أنه ينتقي الشكل واللون والخط والملمس و...إلخ بوعي تام وربطها بالخبرات غير المرئية وربطها بالحواس والخبرة الجماعية ودرس الذاكرة المجتمعية ليستفيد من هذا كله في إنتاج العلامة ودلالتها السيميائية. وأضرب مثالاً جيّداً لذلك وهو إنتاج العلامة عند الفنان بابلو بيكاسو التي شاع استخدامها في المظاهرات والاعتصامات والإضرابات فأصبحت رمزاً وقد تصبح أيقونة وهي لوحة الجورنيكا 1937 والتي تمثّل الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الأولى. الفن لغة سيميائية ذات عالم واسع من النسبية في دوالها ومدلولاتها، فقد يشترك عدة أشخاص في فهم وإدراك دلالة ومعنى علامة ما وقد يشترك جماعة في مجتمع تجمعهم ثقافة في فهم المعاني وسيميائية إشارة ما. والعكس صحيح فقد تولد علامة ما لا يستوعبها أحد وتموت عند ولادتها وقد تعمل قليلاً وتخمل ثم يأتي جيل جديد ويستعملها فتنشط، وقد يستعمل إشارة ما مجتمع ما بشكل ضيق وقد يستعمل مجمع آخر نفس العلامة بشكل واسع، لكن مما لاشك فيه أن البشرية الآن تعيش في عصر العولمة Globalization Era وعصر الصورة Image Era وفيه دمج للثقافات وخطط حثيثة لنشر الثقافة الغربية على بقية الثقافات في كل القارات. هذا ما يصنع أكبر تحدٍ يواجهه فنانو اليوم، وهو إما إثبات الوجود، أو الذوبان أو الاضمحلال. الجدير بالذكر أن هناك من الفنانين من استطاعوا أن يضعوا لهم بصمة في عالم تاريخ الفن القديم أو المعاصر، يكفي أننا نلاحظ في صالات الفنون التشكيلية من يتنبأ بأن ذلك العمل من إبداع فنان بعينه وعندما يقرأ التوقيع يجد أن ظنه كان في محله. كيف تم ذلك؟ يتم بمعرفة أسلوب الفنان في صياغة أشكاله وتكوين لوحاته وآلاته وألوانه، فهي مثل البصمة السيميائية التي تميز أعماله عن ملايين الأعمال الأخرى لآلاف من الفنانين. عصام العسيري* Your browser does not support the video tag.