مدير عام فرع بيئة نجران يقوم بجولة تفقدية بمحافظة شرورة    الهلال الأحمر بعسير يحتفي بيوم المعلم ببرامج تكريمية وتوعوية    المديرس يفتتح لقاء صقور الكشافة ووسام كشافي العالم    «نيوم»: مجمع صناعة خرسانة ب 700 مليون لبناء «ذا لاين»    للدوري والكأس.. بلان يجهز العميد    أمانة جدة تستعيد 3 مواقع على واجهة شرم أبحر    30 سنة سجناً لوافدَيْن تورطا في 177 عملية احتيال مالي    217,000 وظيفة ثقافية و 3 % عوائد متوقعة بحلول 2030    الدسوقي من اليابان: السعودية تسعى لإنتاج 600 طن من الهيدروجين الأخضر    مؤشرات البورصة الأمريكية تغلق على ارتفاع    العيسى: إقرار «وثيقة بناء الجسور» نقلةٌ مهمّةٌ في العمل الإسلاميّ المشترك    قبل مواجهة اليابان ب 48 ساعة .. سباق جماهيري للظفر بتذاكر مباراة الأخضر    أمير المدينة المنورة يكرم الغيلاني وطاشكندي بجائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية    "عدنان" و"هوساوي" أبطال ذهب رفع الأثقال البارالمبية في ألعاب السعودية الثالثة    السابع من أكتوبر.. جردة حساب    دشن النشرة الإلكترونية للجنة القانون الدولي الإنساني.. الأمير تركي الفيصل: المملكة لا تدخر وسعاً في نشر السلام    البيعة العاشرة.. ازدهار ونماء وجودة حياة    قيادة حكيمة ورؤية طموحة    جهود رائدة    لمدة ثلاث سنوات .. "موسم الرياض" راعياً رسمياً للدوري الإسباني لكرة القدم    لماذا خسر الأهلي من الهلال؟    رونالدو الأكثر متابعة بفارق شاسع عن ميسي    للمرة الخامسة وبمشاركة 4 اندية.. السعودية تستضيف كأس السوبر الإيطالي    جمهور يتعذب !    خالد بن سلمان يستعرض مع أوستن التطورات.. ويلتقي السفير الفرنسي    «وطن.. يلجأ العالم لسمائه»    "الأكاديمية المالية" تعزز استدامة المواهب    تطوير أعمال مشاريع البنية التحتية للمجمعات التعدينية    العثور على مفقود وادي بن هشبل بصحة جيدة    ولي العهد يطمئن الجميع على صحة خادم الحرمين.. مجلس الوزراء: نقل الترخيص لممارسة مهنة الاستشارات الإدارية للأفراد من "التجارة" إلى "الموارد البشرية"    القبض على 5 إثيوبيين في جازان لتهريبهم 130 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    ثمّن دعم القيادة الرشيدة للإستراتيجية البيئية.. أمير الشرقية يُدشّن التمرين التعبوي» استجابة 15»    السابع من أكتوبر    ما هو تعريف الرومانسية؟    توفيق الحكيم.. عصفور من الشرق    تسوتايا ..مكتبة أم مركز ترفيهي؟    التنوير والتغريب    «الدرعية.. من هالأرض».. التاريخ يصنع المستقبل!    الاحتلال يواصل القصف على قطاع غزة    ماكينة قهوة تنهي 17 سنة زواج    اكتشاف خلايا خفية تساعد في التئام الجروح    طريقة عمل كبسة الدجاج الحمراء بالزبيب    ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 2119 قتيلاً و10019 جريحاً    الداخلية تستعرض خدماتها في معرض الصقور والصيد    أمير القصيم يكرّم الفائزين بجائزة "المعلم قدوة"    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سلطان بن محمد    «الإسلامية» تواصل برامجها لخدمة المعتمرين والزوار    الخريجي: السعودية تجدد إدانتها للإرهاب بأشكاله وصوره كافة    العلاقات البحرينية السعودية نموذج في الترابط والتعاون    مرض «الدسلكسيا».. مبادرة للتعايش مع المرض    نائب أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء جمعية درع للبحث والإنقاذ    بايدن يدعو سكان فلوريدا للإخلاء فوراً بسبب إعصار ميلتون    العيسى: إقرار «وثيقة بناء الجسور» نقلةٌ مهمّةٌ في العمل الإسلاميّ المشترك    قبل نحو شهر من الانتخابات.. هاريس تتقدم على ترمب ب3 نقاط    نائب أمير مكة يتسلم تقرير «المساحة الجيولوجية» بالمنطقة    جراحة دقيقة تنقذ شابًا مصابًا بانفجار شرياني في بريدة    السقف الزجاجي النفسي    نائب أمير مكة المكرمة يلتقي رئيس مجلس إدارة شركة الزمازمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الفردانية المعاصرة.. وتحولات ما بعد الحداثة»
رحلة شائقة بصحبة كتاب
نشر في الجزيرة يوم 29 - 03 - 2019

للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جيل ليبوفتسكي. ويعد كتابه هذا في طليعة الكتب التي بنى عليها سائر كتبه تباعًا. اتبع فيه أسلوب السرد التفصيلي، وعرض قوائم متراصة لشواهد كتأكيد لصحة أحكامه. وتكشف عما يتمتع به الراصد من نظر ثاقب، وتأمل دقيق للتحولات الحضارية التي طرأت على المجتمعات الغربية المعاصرة في مرحلة ما بعد الحداثة والاستهلاك المفرط.
ترجمة حافظ إدوخراز/ مركز نماء للبحوث والدراسات
يحكم هذا التحول منطق جديد، اصطلح على تسميته ب»الشخصنة». هي عملية تحيل نشأتها إلى أمرين متقابلين، الأول سلبًا، وهو التشقق الذي نشأ في البنية الاجتماعية الانضباطية. والثاني إيجابًا، يشكِّل مجتمعًا مرنًا قائمًا على الإعلام، وإثارة الحاجات، والجنس، وأخذ العناصر الإنسانية بالاعتبار، وتقديس الطبيعي، والود والدعابة.. هكذا تشتغل عملية الشخصنة، وهي شكل جديد لتشكيل المجتمع وتدبير سلوكياته. لكن ليس من خلال الإرغام والإكراه، وإنما من خلال أكبر قدر من الخيارات مع أكبر قدر من الرغبة والتفهم.
لقد تم سحق المثل الأعلى المتمثل في إخضاع الحياة الفردية للقواعد العقلانية الجماعية، بعد أن رفعت عملية الشخصنة من قيمة أساسية، وجسدتها على نطاق واسع، هي قيمة تحقيق الذات واحترام التفرد الذاتي والشخصية المتفردة.
الفردانية تعني إعلان الفرد حقَّه في تحقيق ذاته وممارسة الحياة؛ فهو الإنسان الباحث عن كينونته ورفاهيته.
تمثل عملية الشخصنة استراتيجية شاملة، وتحولاً عامًّا على مستوى الفعل والإرادة بالنسبة إلى مجتمعاتنا، وتعني العيش بحرية دون قيود، واختيار الإنسان نمط حياته من الألف إلى الياء، والتمركز حول فكرة رئيسة هي التحقيق العاطفي والبدني والصحي والتعليمي والتسويقي والترفيهي للذات. وتتجلى في إعطاء الأولوية لحظوظ الذات من التعليم والتثقيف والتطوير والتنعم بالدعابة والترفيه من خلال السفر والرحلات وحفلات الأغاني والعروض الموسيقية كالأوبرا وممارسة الأنشطة الترويحية كافة، وإقامة العلاقات العابرة، وتجريب الغراميات المؤقتة، وتقديم حظ النفس من المتعة والاسترخاء على الغير من خلال اختيار التجمعات اللاهية والهوس بتناقل الطرائف الضاحكة، وملاحقة المتع أنى وُجدت.
الفردانية تعني إقامة جدار عازل بين الذات وكل ما يعكر عليها صفو اللحظة من خلال ممارسة طقوس معينة كتقنية هنا والآن أو المعالجات الشرقية بالتأملات بأنواعها وطقوس اليوغا والتنفس التحولي.
الفردانية تحمل الشخص على تقديم الأولوية لجسده باعتباره الوعاء للذات؛ لذا فممارسة التمارين الرياضية والاكتفاء بتناول الطعام الصحي والعضوي، أحد أبرز العادات لدى الشباب النرجسيين.
الفردانية تعني الاكتفاء الذاتي على أن تقوم الذات بشحن الذات بما تحتاج إليه دون حاجة للتسول من الآخرين؛ فيكفيك أن تحب نفسك بنفسك، وأن تسند نفسك بنفسك، وأن تشفي نفسك بنفسك.
الفردانية تحمل النساء خاصة على الهوس بشباب دائم، وجمال متجدد، من خلال إجراء عمليات التدوير والتجميل على أجسادهن، والنفخ والنحت، وإعادة تشكيل وهندسة الأجساد تبعًا لما تطرحه صيحات الموضة.
الفردانية تسمح لكل فرد بأن يعلن رأيه في الحقول كافة وجميع المجالات وإن لم يتابعه أحد؛ لذا لا يجد الشخص موضوعًا جديدًا يمكن طرحه؛ فكل الناس تناولوا بالطرح كل المواضيع.
الفردانية لا تعبأ بتبعات الخروج عن النص وإعلان التمرد على القيم المحافظة؛ وذلك لخفة قبضة التحكم الاجتماعي والديني.
الشخصنة لا تميل إلى أن يتم تعريفها كامتداد تاريخي ممتد الجذور؛ فقد فرغ التاريخ من معناه ومضمونه.
لقد أصبح العيش دون مثل أعلى ولا غاية سامية ممكنًا، واقتصر اهتمام الناس على تأمين الصحة وحماية الحالة المادية والتخلص من العقد وانتظار العطل.
لا تحرك الشخصنة أعاصير العواطف الجمعية المضطربة؛ فمن الحماقة لدى النرجسيين صرف جل طاقاتهم في الفضاء العام ولو كان المبرر لها الدفاع عن موقف سياسي أو قيمة إنسانية أو فضيلة أخلاقية أو حتى رموز دينية، فهم يحفظون طاقاتهم تجاه الفضاء الخاص بهم، ولا يجدون ما يبررون به هذا التوجه إلا التشاؤم من نتيجة القيام بأي محاولة للتغيير، وخذلان الجديد ورتابته، واللهث وراء التحقيق الفوري للذات.
لذا تتميز الفردانية باللامبالاة الجماهيرية؛ فهي لا تتفاعل مع القضايا الدولية والكونية والسياسية إلا بالحد الذي يسمح لها بإنشاء جمعيات تعاونية، ومنظمات خاصة كالنسوية، ومجموعات دعم وغيرها عبر قنوات التواصل الاجتماعي المتعددة. تجمعهم الأنا والتشابه في الأهداف الشخصية المشتركة.
وإذا كان من أبرز مظاهر الفردانية الاستقلالية الفردية والهوية الشخصية فهي لا تتلهف للمستقبل الذي يمثله الإنسان الجديد في تعاطيه مع الابتكار والعلم والتقنية؛ فالناس تفضل العزلة، وتريد أن تعيش هنا والآن بمنأى عن الصراعات الدولية التي تخفق بأيديولوجياتها السياسية في إثارة الحشود. تسقط الأصنام ويحكم الاستهلاك، ولكنه استهلاك من نوع آخر؛ لا يعني أن تعبئ عربة التسوق بالمنتجات، إنما قدر أكبر من المعلومات عن الرياضة والسفر والمتع والأفلام والتعليم والرعاية الطبية، في سعي مستمر لتجويد الحياة؛ لذا فالكم سيتقلص على حساب النوع.
الثقافة تنثر معايير الحقيقة والفن في وسط أذاب السطوة المركزية، وأعلن الحداد على قوانين المجتمع النمطي التحكمي، وتؤكد شرعنة الهوية الشخصية؛ فالأهم أن يكون الإنسان نفسه، وهو يستحق كل كل شيء، ويعتقد أنه لا يحق لشيء أن يفرض نفسه بشكل دائم ولازم؛ إذ يمكن لكل الخيارات الحق في أن تتعايش دون تناقض ولا إقصاء. إن الثقافة لدى الشخصنة معقدة وعفوية، مادية ونفسية، إباحية ومستترة، مجددة وماضوية، استهلاكية وبيئية، مذهلة ومبدعة، وأنت غير مضطر للاختيار بين كل هذه الخيارات في مجتمع ينمي الوجود المشترك والمرن للتناقضات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.