قبل أيام طمأنت الصين العالم بأنها لن تسمح لاقتصادها أن ينزلق لانخفاض كبير في نموه، ووعدت بخطط تحفيزية متنوعة وضخمة، ويضاف لذلك الإشارات الإيجابية من أكبر اقتصادان بالعالم أميركا والصين حول قرب التوصل لاتفاق ينهي حرب الرسوم على التجارة بينهما، كما أن هناك تحسنًا عامًا في الاقتصاد الأوروبي، أما أسواق السلع وتحديدًا النفط فهي تعيش مرحلة استقرار حول 67 دولارًا للبرميل، وهي أسعار مناسبة للمنتجين في الفترة الحالية وكذلك للمستهلكين. لكن هل هذه الأخبار كافية للقول إن الاقتصاد العالمي ابتعد عن السقوط وعن حافة الهاوية التي تحذر منها مؤسسات مالية وبنوك عالمية منذ فترة ما لم تحدث انفراجات في كثير من الملفات المتأزمة المؤثرة في اتجاه الاقتصاد العالمي سلبياً، إن تقدير حجم تأثير هذه الملفات والمدى الزمني الذي تؤثر فيه مهم جداً للتحوط منها، فرغم كل الإشارات الإيجابية إلا أن شيئًا منها لم يتم حسمه والتوصل لاتفاق نهائي حوله، تحديداً الحرب التجارية بين أميركا وأكبر شركائها، كما أن استقرار أسعار النفط حول المستويات الحالية عامل إيجابي لكن أيضاً ليس مضموناً إذا لم تنته الحرب التجارية بحلول ترضي كل الأطراف، فإذا استمرت وتفاقمت هذه الحرب سيهبط إنتاج الدول من السلع والخدمات وتصاب بركود مما سيخفض الطلب على النفط، ولذلك فإن الحرب التجارية باتت أكبر العوامل الخطرة على الاقتصاد العالمي. يضاف لذلك التوترات السياسية في أكثر من منطقة جغرافية بالعالم مثل روسيا وأوكرانيا أو الشرق الأوسط تحديداً ملف إيران المرشح للتفاقم أكثر من الحل مع استمرار حكومة طهران بسياستها العدائية لدول المنطقة وتعنتها في القبول بإصلاحات اتفاقية الملف النووي، فكل هذه العوامل ما زال البارز منها هو مزيد من التوتر مما يضعف جاذبية الاستثمارات الأجنبية للمنطقة إضافة لاستنزاف الأموال للتصدي لمشروع إيران التخريبي في الدول العربية، كما أن أوروبا ما زالت في مرحلة نمو ضعيفة، وهذا ما أظهرته بعض الإحصاءات عن تراجع في الإنتاج الصناعي في كثير من دول أوروبا وعلى رأسها ألمانيا، كما أن العامل الأهم بالنسبة لأوروبا حالياً هو انسحاب بريطانيا «بريكست» والتي إذا لم تحل باتفاق شامل فإنها ستهدد نمو اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مما سيشكل ضربة قوية للاقتصاد العالمي. لا شك أن جميع دول العالم خصوصاً المنضوية تحت مظلة مجموعة العشرين وهي الأكبر بالاقتصاد العالمي تحاول جاهدةً الإفلات من براثن العودة لركود اقتصادي من خلال إطفاء الحرائق التي أشعلتها الحرب التجارية بين الاقتصادات الكبرى والتوصل لاتفاق بشأن «بريكست»، وكذلك محاولات احتواء الأزمات السياسية عالمياً، لكن ذلك لا يمكن أن يكون حلاً كافياً للإفلات من تراجع نمو الاقتصاد العالمي، فالحل يبقى في احترام من القوى العظمى لمبادئ اتفاقية منظمة التجارة الدولية والاتفاقيات الثنائية والالتزام بها، وكذلك خلق الاستقرار والسلم الدولي والكف عن العبث باستقرار دول الشرق الأوسط تحديداً، وإلا فإن حافة الهاوية بالاقتصاد العالمي ستكون قريبة ولن يفلت من آثارها أحد ولن تكون الحلول للخروج منها سهلة، فذخيرة الدول الكبرى لمواجهة الأزمات الاقتصادية نفد أغلبها ولا تملك هامشًا من الحلول لمواجهة أي أزمات، فالديون السيادية ارتفعت لحدود تقارب أو تفوق 100 % من الناتج المحلي للدول العظمى، كما أن سلة الحلول بالسياسة النقدية بتلك الدول العظمى ليس فيها ما يكفي لاحتواء أي أزمة بسهولة.