هل الصحافة الورقية على وشك التوقف؟ أرجو ألا يكون ذلك مؤكدًا رغم أن ما يحدث في الساحة الإعلامية يكاد ينبئ بأنه حدث وشيك. وقد أحزنني ما سمعته من زميل إداري في صحيفة رائدة ومحترمة عن تدهور الأوضاع المادية للمؤسسات الصحفية؛ ما دفع كثيرًا من العاملين في الصحف إلى البحث عن مصادر رزق في جهات أخرى بعد أن أصبح من غير الممكن ضمان استمراريتها. لم يعد المتابعون ينتظرون أن توزع الجرائد صباحًا ليطلعوا على آخر المستجدات والأخبار المحلية والعالمية والبيانات الرسمية؛ فهي تصلهم حال حدوثها أو إعلانها. إن لم يكن عبر تويتر فنقلاً عنه يتداوله وينشره مدمنو الواتس آب. ومع اعتياد الاطلاع السريع فقد الغالبية متعة أو رغبة قراءة التحليلات المطولة لأي موضوع أو حدث. ثم هناك المزيد الذي يزيد «الطين بلة»؛ فقد أمسينا نتابع نشرات الأخبار في قنوات لا نتفق على أيها الأصدق، أو على الأقل الأقرب إلى الحقيقة، وتصلنا نفس التسجيلات المفبركة والأخبار المختلقة عبر كل وسائل التواصل الرسمي وغير الرسمي، حتى كاد عدم الثقة بأي تفاصيل تنشر يصبح الموقف الأولي المعتاد من أي ذي وعي. قال لي أحد الزملاء: لم يعد من السهل أن نكتب أو نتحاور بعفوية، ليس فقط لأن المتلقي يفرض ما يريد أن يقرأ بل لأننا لا نمتلك التأكد من معلوماتنا. نحن نتصارع مع مستجدات التقنية, وفوق ذلك نعاني من تسخيرها لخدمة جهات مستفيدة من العبث بنا إعلاميًّا، تتقصد خلط المعلومات بانتقائية تناسب مواقفها.. ولكثرة ما يكررون تحيز تفسيراتهم وإيحاءاتهم لم يعد المتابع يثق بأي تفاصيل تنقل إليه. تذكرت تحليله وأنا أتابع الخبر نفسه على عدد من القنوات الفضائية، وأسمع صوت المذيع وصوت من يحاور، والأول يكاد يملي على الثاني صيغة ما يقول. هذا عدا غياب بعض الأخبار كليًّا في بعض المواقع، وتناولها بالتفصيل في غيرها. ومع هذا طبيعة الإنسان الواعي أن يرغب في معرفة ما يحدث, وإن اضطر إلى اللجوء للتكهن أو الامتناع عن متابعة مصادر إعلامية بعينها لفقدانه كليًّا الثقة بما تنقله. لقد اختفت الألواح الحجرية التي كانت وسيلة النخبة للحصول على الفكر والبيانات والإبداع في حقب بائدة. وقد يأتي اليوم الذي تختفي فيه أجهزة التلفزيون وبرامج البث التلفزيوني، بما في ذلك خدماتها الإخبارية؛ ليحل محلها أجهزة شخصية صغيرة، أو خلية مزروعة توصلها مباشرة إلى استيعاب المتلقي، ولكن سيظل الوصول إلى الحقيقة المجردة غير القابلة لعبث أو تحيز البشر مسألة غير مؤكدة.