مؤخراً تناقلت وسائل التواصل خبراً مفاده أن الإعلام الخارجي سيُنقل من وزارة الإعلام والثقافة إلى وزارة الخارجية. في مثل هذه الأوقات المضطربة والمتسارعة المفاجآت يتعطّش المتابع لمعرفة الأخبار ويهمه جداً أن يثق بما يصله منها سواء كان المتابع في الداخل أو الخارج, مواطناً أو أجنبياً. وبصفة منطقة الخليج تستضيف ملايين القادمين للعمل من أوطانهم الأم حيث لا يتكلمون العربية، فإن التواصل المباشر مع العالم الخارجي ضرورة ماسّة لطمأنتهم وتوضيح ما يستجد من أحداث مباشرة دون أن تستغلها جهات أخرى لتشويه سمعة البلد أو التشكيك في قدرة الوطن على المحافظة على الأمن. لنبدأ بأننا في حاجة ماسّة، خصوصاً أننا في زمن حرب ملتهبة في كل الجوار العربي، إلى فضائية خليجية باللغة الإنجليزية تنقل للمتابع أخبارنا بحيادية ومصداقية. ومهم ألا تنجرف إلى الخطابية والتأجيج، بل تتوخى المحافظة على احترام المتلقي لها ولمهنيتها في التعامل مع الأخبار والتحليلات, فحين يفقد المتلقي احترامه لناقل الخبر, يفقد أيضاً احترامه لكل ما يصدر عنه. نحن نحارب الإرهاب وندافع عن أمننا وسيادتنا خليجياً, مقابل آلة إعلامية حاشدة وموجهة من جبهات متعددة لا تهمها الحقيقة بل خدمة أغراضها الذاتية: منها الصهيونية الهوى والكارهة للمسلمين، والحاقدة على الخليجيين. أذكر أن والدي - رحمه الله - كان يُتابع الأخبار يومياً من إذاعة مونتي كارلو العربية بصفتها الأكثر مصداقية في نقل التفاصيل. وفي آخر أيامه قبل وفاته في 2003 كان يُتابع نشرات الأخبار من السي أن أن والبي بي سي بالإنجليزية, وإذا بالصدفة توقف مؤشر التلفزيون عند الجزيرة ينفعل سلبياً لأن طريقة عرض الأخبار وانتقاء الصور والتسجيلات كانت مُعدَّة للتأجيج، وليس لاستعراض إعلامي حيادي لتفاصيل الأخبار. وبصفته أديباً يتقن عدة لغات بالإضافة إلى لغته العربية الأم, ومسؤولاً تولى رئاسة المجلس التأسيسي الذي أتم مهمة كتابة أول دستور للبحرين, فهو بلا شك كان قادراً على تقييم اللغة الإعلامية من اللغة المهنية, ومحقاً في الانزعاج منها حين تفتقد الحياد. ولكنه كدبلوماسي ممارس كان ملتزماً بالتدقيق في الاستجابة لأي سؤال بحيث لا تتضارب فيه مصداقية المواطن المثقف, بواجب الالتزام بمسؤولية الناطق الرسمي. وليس الجميع يحسنون التوازن على حبل دقيق بين حسن التعبير والمصداقية. ببساطة نحتاج فضائية خليجية متزنة تنقل رؤيتنا إلى المتلقي في الخارج بلغة عالمية. ونصيحتي للقنوات غير المحلية التي تتكلم العربية وتتناول مستجداتنا، خصوصاً تلك التي بنت سمعة عالمية على مدى عقود طويلة, أن تنتبه لما يحدث الآن من فقدانها مصداقيتها حيث يلاحظ المتابع تواصل الانحياز المستمر كما يحدث الآن مثلاً في البي بي سي العربية. منها مثلاً أن يعتذر مذيع في فضائية غربية ناطقة بالعربية لأن كل العابرين عفوياً في شارع لبناني حين سألهم المراسل عن تقييمهم لموقف المملكة من إيران بقطع العلاقات بعد إحراق الغوغاء للسفارة في طهران والقنصلية في مشهد؛ كرروا نفس الإجابة بأن إعدام إرهابيين في وطنهم شأن داخلي سيادي!! ولا عذر لإيران في التدخل في ما لا يخصها أصلاً. اعتذر المذيع وكأنهم خيّبوا ظنه. ووضح أن ذلك حدث عفوياً، وليس باتفاق مسبق بينه وبين العابرين!! لا بد أن يكون لنا صوتنا في الخارج بلغة تجبر الآخرين على الإصغاء والاحترام والوثوق بما نقول.