في عرضه لخبر بناء مصر للجدار الفولاذي على طول حدودها مع قطاع غزة ظهر الإعلامي الشهير عمرو أديب وزميله في برنامج"القاهرة اليوم"، وهو يدافع عن موقف بلاده في بناء الجدار، وعن تغاضي قيادتها للأنفاق المستخدمة سابقاً لتهريب البضائع والمواد الغذائية، على رغم العلم المسبق بها، وهو ما أثار حفيظة كثير من المتابعين، على اعتبار أن قطاع غزة لا يحتاج إلى المزيد من الحصار، وأن الإجراء في مضمونه يعزز الاعتقاد برغبة مصر في الابتعاد السياسي عن مشكلات القطاع المستمرة والملتهبة، كما أثار عدد من المنظمات الحقوقية العالمية لرفع دعاوى قضائية ضد مصر لخرقها لحقوق الإنسان، على اعتبار أن الأنفاق هي عصب الحياة لسكان غزة المحاصرين، وبعيداً عن الدوافع السياسية والأمنية خلف القرار المصري ببناء الجدار الفولاذي. إن الجدل الذي أثاره الإعلاميان في البرنامج يثير التساؤل حول دور الإعلام في استثارة الرأي العام، وعلى الأخص عندما يصبح الإعلامي معبراً عن القيادة السياسية وأداة لتمرير القرار السياسي على علاته وليس لبحث الخبر أو تناوله بالنقد والتحليل الموضوعي، والبرنامج الذي يقدمه عمرو أديب قد تعرض أخيراً بسبب الديون للتوقف الموقت، وتم بقرار سياسي عالي المستوى إعادته مرة أخرى إلى البث، وهو ما عزز الشعور العام بتحيز البرنامج للإرادة السياسية وليس الشعبية في عرض الموقف من الجدار الفولاذي، وتحيز الإعلام، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة هو مثار قلق مستمر في الأوساط الإعلامية وموضوع دائم البحث في الأوساط الأكاديمية، ويعني تحيز الإعلام أن يتم تسليط الضوء على مواد وأخبار معينة وتطويع الطريقة التي يتم بها التبليغ عن الخبر لتخدم طرفاً أو هدفاً معيناً، وهناك عوامل متعددة مسببة لتحيز الإعلام تشمل التحكم الحكومي في الرقابة على وسائل الإعلام وملكية الصحف ووسائل الإعلام التي قد تؤثر في تبليغ الخبر وتخدم جهات بعينها. المثال في أعلى المقال ليس سوى نقطة من بحر التحيز الإعلامي الموجود في الساحة الإعلامية المحلية، فمن يضمن مثلاً نزاهة الإعلام في خدمة الشرائح المختلفة من المواطنين بعيداً عن التحيز؟ فنحن لا نملك مؤسسات صحافية وإعلامية مستقلة، كما يتدخل مقص الرقيب لتهذيب وتشذيب ومنع المقالات والأخبار بانتقائية مطلقة تخدم توجهات محددة، ويتضح ذلك في مثال محاولة أحد المتنفذين في الصحافة هنا في المملكة - على خلفية أحداث الفساد في جدة - تبرئة المسؤولين عن الكارثة والتقليل من ردود الأفعال الغاضبة، وهو ما قوبل بعاصفة من السخط الجماعي في أوساط الصحافيين أنفسهم، وتم اتهامه صراحة بالتحيز للمسؤولين، ولا يوجد مخرج في وضع شديد التعقيد كهذا الوضع سوى بمنح الإعلاميين الحصانة نفسها التي تمنح للسياسيين والمسؤولين للتعبير المستقل والحر والنزيه عن الخبر، هنا فقط ستبرز جودة الأخبار وستحمل بعض الصدقية لدى المتلقين، بعيداً عن تأثير النفوذ لدى مالكي المحطات الإعلامية والإخبارية وتسييس الخبر لأهداف أخرى، وبعيداً عن تخوف الإعلاميين من التصريح بآرائهم والإسهام بها في كشف عيوب المجتمع أو الترويج لأفكار بناءة، وعلامات التحيز وعدم موضوعية وصدقية الخبر المعروض تعرف لدى المتابعين بالعلامات السبع للتحيز، وتشمل استخدام تعريفات وتسميات غير صحيحة، كاستخدام مصطلح"العلمانية"مثلا ًكمفهوم يحارب الأديان وليس بمفهومه الصحيح كاتجاه يدعم ممارسة الأديان للجميع، ولكن بعيداً عن التشريع الرسمي ودستور الدولة، الذي يخضع لإعمال الفكر وتغليب المصلحة، بدلاً من تغليب رأي ديني محدد، وهناك عدم التوازن في تبليغ الخبر، كأن تنقل وجهة نظر طرف واحد في الخبر ولا تنقل وجهة نظر الجهات الأخرى. في عالمنا لا يدرك المسؤولون أهمية الحضور الإعلامي للتعليق على أي أخطاء أو أحداث طارئة وتوضيح إفادتهم حول الموضوع، لإزالة الجهل المترتب عن غياب إفادتهم وتحقيق التوازن المطلوب في طرح الخبر، وأبرز مثال هو حادثة وفاة الدكتور طارق الجهني الشهيرة بخطأ طبي، وغياب الإفادة الرسمية من المستشفى عن الواقعة مما عزز لدى المتلقين مسألة شيوع الخطأ الطبي وزاد من تخوفهم من حرفية الأطباء في المستشفى المعني، ويفسد الخبر أيضاً عندما يتم تغليف رأي الإعلامي الخاص وتمريره كخبر حقيقي، وفي ضعف محتوى الخبر أو غيابه وفي تعمد إخفاء بعض الأخبار وإظهار بعضها، وهو ما يتهم به الكثيرون الصحافة هنا في متابعتها وتغطيتها لأخبار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السيئة فقط، وفي استخدام حقائق ثابتة للخروج بنتائج غير حقيقية، كما في استخدام سياسات أميركا السيئة في الشرق الأوسط لتمرير الاعتقاد بفساد إرادتها السياسية ككل، وأخيراً في تشويه الحقائق، كما تمارسه إسرائيل مثلاً في عرضها للغرب لأسباب سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين. الحل الأكثر أماناً لممارسة صحافة وإعلام هادف هو نشر ثقافة الموضوعية والصدق في عرض الخبر وتوعية الجماهير بأهمية نقد الإعلام وأخباره، وعدم الأخذ بأي خبر سوى من مصدر موثوق ومن جميع الأطراف، والأهم هو منح الصحافيين والإعلاميين الحق الكامل في التعبير عن الرأي وتبليغ الخبر وحمايتهم قانونياً من المساءلة أو الملاحقة بسبب النشر، وحتى هذه اللحظة فالعلامات السبع لتحيز الإعلام موجودة وبكثرة في الإعلام الرسمي العربي بأوساطه كافة، ويبدو العالم الافتراضي بمدوناته وخبرياته الطازجة بلا أي مقصات أو تحكمات سياسية الأمل الجديد في إعلام بلا تحيز. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة الأميركية. [email protected]