أحسب أنه وخلال تجارب العهود أنه ليس بعد العقل الجيد أحسن من الترصن (الرصانه) وهذه قد يمكن اكتسابها وذلك بخلاف الموهبة فإنه لايمكن ذلك لكنهما يكتسبان العقل والموهبة مع شيء من خلل لابد منه أن يقع في مكتسبهما بصورة من الصور إذ الموهبة والعقل الموهوب أصلاً لايمكن إيجادهما فمالم يولد المرء موهوبا ومالم يولد بعقل نابه قوي عميق فليس بنافع إنزالهما منزلة الموهبة وهذا ما يجعل الخلط سائدا في مثل هذا الحين والذي قلت فيه القراءة المكينة المتدبرة العلية الاستيعاب. وفي هذا الجزء أحاول حسب تجارب عهود خلت وخلت أن اتلمس (الرصانه) وصفات صاحبها وذلك حسب ما عاينت تقريباً من خلال جلوسي للقضاء وسياسة الإدارة العليا ومناقشتي لبعض ممن ينظر بعين الاعتبار مسالك الناس. فما هي إذاً الرصانه عليه --عليه أذكر مايلي حسب التدرج والذي لابد منه للوصول إلى حقيقتها 1- الرصانه- أصلها خماسية الحروف من الترصن وضبط النفس. 2- الرصانه- مراقبة الفكر الجيد للإرادة لئلا تزل. 3- الرصانه- من ترصن أي انضبط حال قوله وفعله. 4-الرصانه- قوة التدبر ومراقبة الأحاسيس. 5- الرصانه- من صفات العقل تقريباً. 6-الرصانه- التمهل والتروي حال الجدل وقوة النقاش. 7-الرصانه- الحذر من الزلل مع الثبات والهدوء. 8-الرصانه- يقال رجل رصين وإمرأة رصينه عاقل وعاقلة بصفة من الصفات. 9 -الرصانه- تماسك الحركة وخفظ الصوت أحياناً. الرصانه ثقل الحركة والتوقي 10-الرصانه- ترابط الكلام المؤدي إلى نتيجة مفهومة. 11-الرصانه- القوة الظاهرة للمرء وهي بهذا تختلف عن الرزانة إذ الرزانة صفة من صفات العقل الواعي ولكن الرصانه صفة من صفات العقل في بعض المواطن. والذي يبين هذا هذا الفرق هو ما يمكن ملاحظته من الصفات عند صاحب الرصانه والرزانه فإن غلب مجددي التاريخ من العلماء والساسة والنابهين من المجتهدين هم من ذوي الرزانه وتأتي الرصانه والرصن في دورها ثانياً فيغلب على ذوي الرزانه ما يلي: 1- دوام التماسك والهدوء الدائم. 2- السير على منهاج واحد. 3- قوة الموقف وعنف العبارات الهادئة المركزة. 4- النظر إلى الأسفل عند الجدل مع رعشة ظاهرة. 5- تثق به كثيراً ما لم يكن قد تربى تربية مصلحية ذاتية. 6- ترتاح إليه وتشعر بالإعجاب به. 7- قد ينفر منه من لا يعرفه أو أنه يحسده أو أنه سمع عنه كلاماً ما. 8- يكثر بينهم كثرة الزواج. وأما ذو الرصانه فإن من صفاته المشاهدة مايلي: 1- ميله للوحدة والتأمل . 2- يميل كل الميل إلى الكسب المادي أو الوظيفي. 3- يحترم الغير لكنه ذاتي النزعة. 4- يكثر الحركة والالتفات عند النقاش أو الحوار. 5- يجامل ويسعى لذاتيته بهدوء وسكون. 6- لم يوجد بين هذا الصنف مجددا بخلاف الرزين. وأقصد بالتجديد السبق النوعي إلا فإن المترصن صاحب آراء وتنظيرات جيدة 7- بسبب غفلته وحبه للبروز فإنه قد يتم استغلاله لأن لديه جلداً وهوجاً إذا كتب أو انتقد. 8- لديه شعور بالخوف إذا أخطأ أو زل فهو صاحب تزلف بخلاف الرزين فثقته بنفسه وقدراته يطرد عنه الخوف. يكثر بين ذوي الرصانه حب المتعة والميل للفكاهه والسفريات بخلاف الرزين فلم يوجد بينهم من كان كذلك حسب علمي. وقد يعتذر من قبول الجوائز وهذا يشهد به أن ثلاثة قد اعتذروا عن جائزة (نوبل) بخلاف الرصين فقد يسعى جاهداً إلى الجائزة وقد يوسط غيره للوصول إلى الجائزة. 9- الرصين قد يقهقه إذا سمع طرفه بخلاف الرزين فإن غالب حالاته التبسم وهذه جبله لديه. 10- يندر أن يكون ذو الرصانه محسوداً لقدرته على كسب الآخر بخلاف الرزين فإنه قد يحسد وقد تجر عليه بعض مواقفه سوء الفهم من الغير. 11- ذو الرصانه قد يشيء ويستعدي ولكن الرزين لا يفعل لنقاء روحه وشفافيته. ولهذا تحرص الدول الحديثه على اكتشاف هذا النوع من ذوي الرزانه والبحث عنهم بشيء من السرية حتى وإن كان له مواقف ليست جيدة وهذا النوع يمكن احتواؤه إذا تلطف معه وتمت سياسته بصدق وحماية حتى من أقرب الناس إليه لكن مشكلته أنه إذا أسيء فهمه فإنه يلزم الصمت ثم الانزواء.