لا شك أن فضاء الواقع الافتراضي، بما هو من بين أبرز تقنيات معطيات العصرنة سعة في التواصل، والاستخدام، قد فتح أبواب المعرفة، والثقافة العامة للجميع، على مصراعيها، ليدلو كل من شاء بالمشاركة في التفاعل مع معطيات هذا الفضاء بدلوه، على هواه، دون قيود تذكر، سوى مستوى وعيه المعرفي، وحسه الثقافي. لكن الملاحظ، مع كل ذلك، أن ثقافة الكتاب الورقي أيام زمان، كانت حقا، أعمق، وأكثف، وأرصن، سواء من حيث معايير وأسلوب التعاطي معها، بصيغة النخبة المهنية المختصة، أو بطريقة الهواية الذاتية، التواقة للتحصيل المعرفي الجاد. ولذلك كان التحصيل العلمي، والعطاء المعرفي بتلك الوسيلة، يوم ذاك، راقيا، لغة، وثقافة، وتعاطيا، وتداولا. في حين تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الثقافة الرقمية، في فضاء الواقع الافتراضي، اليوم، تبدو مشوشة، وتفتقر إلى الإلمام المعياري، تحصيلا، وعطاء، حيث يلاحظ أن أغلب الكتابات المتداولة في هذا الفضاء، ركيكة اللغة، أسلوبا، وإملاء، ونصا، وذلك لسهولة ولوج هذا المعترك، بسبب حرية التعاطي، والافتقار إلى المعايير المهنية، سواء في مجال التحصيل، أو العطاء، مما أدى إلى تداول نتاجات، ومنشورات، ذات محتوى متدنٍّ مضمونا، وشكلا، الأمر الذي أنتج ثقافة مشوشة، تعوزها الرصانة، وتفتقر إلى الجاذبية، وينقصها التأثير في الجمهور المتلقي، لا سيما أولئك الذين يمتلكون منهم خلفية معرفية جيدة، ويتميزون بذائقة أدبية عالية، تؤهلهم لفرز الغث من النتاجات، مما هو سمين منها. ومن هنا فإن الأمر يتطلب من الطاقات الواعدة، الانتباه الجدي لتجاوز هذا الحال، والعمل على الارتقاء بقدراتهم المعرفية، لغة وإملاء، وتحصيلا، على نحو مسؤول، لكي تأتي منشوراتهم بنتاجاتهم، رصينة، وممتعة، ومفيدة، بعد أن يتجاوزوا حس الهوس بعصرية الثقافة الرقمية، الذي يدفع بالبعض، للتطلع للنجومية السريعة الخاوية، دون أن يتحسبوا إلى مآل السقوط العاجل بنفس السرعة، مما لم يرتقوا بإمكاناتهم المعرفية، والثقافية إلى الحد المعقول مهنيا.