يحدث أن تقرر حضور ورشة تدريبية في مجال ما، تنظمها إحدى الجهات (الرسمية) والتي يُفترض أنها معنية بالقيمة والجوهر ولا تهدف للماديات بل ببناء الوعي ونشر الثقافة، لكنك تُصدَم بأن هذه الورشة أو الدورة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب أو حتى المتوقع، وذلك بسبب عدم كفاءة المدرب. فتتساءل عن ماهية المعايير التي يتم على أساسها اختيار المدربين (المؤهلين) لتقديم مثل هذه الدورات المتخصصة. فهل قبول المدربين عشوائي يُبنى على سيرة ذاتية مرتجلة من قِبله؟ أم وفق توصيات شخصية (واسطة)؟ ما هو المعيار؟ يُفترض أن مثل هذه الجهات لديها طاقم تنظيم له من الخبرة ما يكفي لإتقان اختيار كوادر مؤهلة حتى وإن كانت هذه الفعالية "مجانية"، أن يجيدوا استقطاب الكفاءات التدريبية العالية فلا يكفي في المدرب أن يكون متميزًا في مجاله، بل لا بد من امتلاكه لمهارات التدريب والتحفيز والمشاركة. يُمكنُك التعرف على المدرب غير المؤهل بسهولة من خلال افتقاره للمهارات الأولية الواجب توفرها في أي مدرب، من إعداد جيد للمادة، التحدث عنها بمعلومة ومصدر، وبأسلوب طرح احترافي لائق وبعيد عن القراءة المستمرة من حقيبته التدريبية التي لم تُعد بشكل جيد. كما أن المدرب المتميز يكون على أهبة الاستعداد لأي سؤال قد يطرح عليه محاولًا الإجابة عليه -على أقل تقدير- خصوصًا وإن كان المتدربون شغوفين للاستزادة وقد جاؤوا مُحملين بأسئلة من صميم عنوان الدورة معتقدين بأنهم سيجدون لدى هذا المدرب ما يروي ظمأ فضولهم المعرفي، فيفاجئون بتشبثه بآرائه وتعصبه لمسلماته وقد يصل لحد الوصاية عليهم فارضًا تقنياته ووجهات نظره، بنرجسية تُسفِّه وتُقصي كل الآراء المخالفة له حتى وإن كانت مثبتة وصادرة من ذوي اختصاص وخبرة. وقد يصل في بعضهم أن يوجهك عنوة لانتهاج منهجه الاستثماري في التعامل مع الفنون والقيَم والثقافة متحججًا بأن الفنون الهادفة والأعمال الإبداعية لا يوجد لها جمهور، بل يراها بضاعة كاسدة لا يطلبها أحد. فهل هذا ما نلتحق بالدورات لأجله؟ لكي نؤدلَج وفق هوى المُدرب؟ أم لنتعلم تقنيات تؤهلنا لعرض فكرنا الإبداعي الخاص؟ مثل هؤلاء المدربين يجعلونك تعود بخفي حُنين مصابًا بالتشويش، وقد اختلط لديك الحابل بالنابل وأصبحت بحاجة لإعادة ضبط مصنع معلوماتك. مجال التدريب الآن بات فضاء مفتوحًا لكل من يبحث عن الثراء السريع وهذه حقيقة. حيث أصبح هَوس جمع المال سُعارًا يقود البعض إلى ركل المثاليات والمبادئ وكل ما قد يعيقهم عن الوصول إلى هدفهم الرقمي. طفرة التدريب أصبحت سائدة سواء كان في قاعات حضورية أم عن بُعد ولها ما لها من إيجابيات وعليها ما عليها من سلبيات، والجميع يرى نفسه مؤهلًا لها وقد يكون فلا مأخذ لي على ذلك، لكن عزيزي المُدرب ألا يجدر بك إعداد نفسك أولًا وتأهيلها فالدور الذي تقوم به عظيم فلا تمحقه بتسطيحك له. ** ** ** - حنان القعود