تحدثت عن حالة الانقسام الحاد، التي تمر بها أمريكا حالياً، والتي كانت معالمها واضحة، أثناء خطاب الاتحاد، الذي ألقاه الرئيس ترمب قبل أيام، وحتى قبل خطاب الاتحاد، شاهدنا الجدل الكبير، أثناء استجواب لجنة الشؤون القانونية في مجلس الشيوخ لمرشح ترمب للمحكمة العليا، القاضي بريت كافاناف، فقد تجاوزت المعركة الجمهورية- الديمقراطية حدود الاختلاف، إلى الاصطفاف الحزبي، أو بالأصح الأيدولوجي، وقد كانت تصريحات زعيم مجلس الشيوخ، الجمهوري ميتش مككولن، توحي بأنه زعيم طائفة، أكثر منه سياسياً محترفاً، ولا عجب، فهو ذات الرجل، الذي أعلن بعد فوز أوباما بالرئاسة في عام 2008، أنه سيجعل هدفه هو ضمان عدم فوزه بفترة ثانية، وهو الأمر الذي تم على أي حال، ثم بعد ذلك عرقل إجراءات مرشح أوباما للمحكمة العليا حتى انتهاء فترته! أمريكا إمبراطورية عظمى، وتتزعَّم العالم سياسياً واقتصادياً. هذا، ولكنها حالياً لا تشبه أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي أمريكا هاري ترومان وديويت ايزنهاور وجون كينيدي وغيرهم من الزعامات، التي كان آخرها بوش الأب وبيل كلينتون، ويبدو أن حالة الصراع والانقسام الحالية لم تبدأ مع فترة رئاسة ترمب، بل مع فوز باراك أوباما، عندما ظنت شرائح واسعة من الأمريكيين البيض أن دولتهم أفلتت منهم، وأصبحت تحت حكم الأقليات! ولم يركّز الإعلام الأمريكي على الأحداث، التي حصلت من المحافظين البيض، كرد فعل على فوز رئيس أسود، كما لم يتطرق الإعلام للإجراءات الأمنية المشددة، التي ضُرِبت على أوباما وأسرته، خلال أي تحرك، داخل أمريكا وخارجها، لأن ذلك ليس في صالح الصورة العظيمة لبلد الديمقراطية والحرية والعدالة، ويكفي أن تعلم أن قناة فوكس نيوز نشرت صورة، بوجه أسود، للرئيس التاريخي ابراهام لينكولن! كنت أقول ولا أزال، أن فوز ترمب المفاجئ بالرئاسة، وهو الذي لا يملك أي خبرة سياسية، كان جزئياً على الأقل، رد فعل على فوز أوباما، لأن لغة ترمب المتطرفة ضد الأقليات كانت عنصر جذب للمحافظين البيض، واستخدام هذه الإستراتيجية الترمبية كان من بنات أفكار مستشاره العنصري، ستيفن بانون، الذي قرأ المشهد الاجتماعي تماماً، من خلال برنامجه الحواري التفاعلي مع الشرائح المحافظة، أو العنصرية إن شئت الدقة، ففوز ترمب كان مفاجئاً للمراقبين عن بعد، لكنه لم يكن كذلك لمن يعرف أمريكا من الداخل، كبلد قامت فيه حرب أهلية من أجل إلغاء الرق، ثم حدثت نوازل كبرى واحتجاجات عنيفة ومواجهات قاتلة، من أجل إقرار قانون المساواة بين السود والبيض، وكان هذا قبل نصف قرن فقط، وفي ظل حالة الانقسام الحالية، يحق لنا أن نتساءل: «ما هو المتوقّع حدوثه، وهل من الممكن أن تعود أمريكا إلى سابق عهدها، رمزاً للحرية والعدالة والحقوق؟»، وهذا سيكون موضوعنا القادم!