للجزيرة الثقافية في نفسي مودة وتقدير. منذ كتبتُ على صفحاتها أول مادة اختلط في نفسي تجاهها رغبة النشر في صحيفة يقرؤُها الناس، مع توجُّس الخيبة -كما هي مشاعر كل مبتدئ - من تواضعها عن مستوى القبول للنشر. وكانت المفاجأة أن وقَعَت عليها عيناي بعد أيام لم تطل، وقد أفضلت الصحيفةُ بوَسْمها ب»قصة قصيرة»، وقرنَتْ نصها برسمة تعبيرية مستوحاة ممّا يصطرع فيها من أحداث على وجه الخصوص، وضعها رسَّام الصحيفة آنذاك يحيى سعيد، الذي نعرف اسمه من توقيعه إياه على رسوماته. كان المشرف عليها في ذلك العهد البعيد - وما زال - الدكتور إبراهيم التركي، وكان رئيس تحرير الصحيفة - وما زال - الأستاذ خالد المالك. ولكن الجزيرة الثقافية حينذاك كانت ملحقًا أسبوعيًّا في صفحتَيْن، وصفحة يومية. وحين ظهرتْ «المجلة الثقافية» التي نحتفل اليوم ببلوغها العدد ال600، كانت تستأنف بهمة ومحبة دور الصحافة المستنيرة الذي ألفنا قديمًا حفاوته بالجهد الأدبي والثقافي ومشتقاته، في زمن آلت فيه هذه الحفاوة إجمالاً إلى تراجع وتضاؤل في الصحافة السعودية والعربية. وأجد هذه المناسبة فرصة للتعبير عما أجده في نفسي للجزيرة الثقافية، ولرئيس تحريرها، وللمشرف عليها، ومحرريها، من شعور بالامتنان والشكر والاعتراف بفضلهم عليَّ فيما أفسحوه لي من مساحة للكتابة، كانت ثمرة بعض سلاسل موضوعاتها فصولاً في ثلاثة من كتبي التي تتابعت في الصدور، وأحرز بعضها جوائز ثمينة في القيمة التي تعنيها، وفي الرسالة التي تترامى إليها. وكما كنت أكتب في مجلة الجزيرة الثقافية فقد كنتُ أقرأ ما يكتبه فيها الزملاء والزميلات، وأحتفي ببعضهم، وما زلتُ إلى الآن أجد فيما يكتبه فيها بعض أساتذتنا وزملائنا مادة ثرية وقمينة بالإعجاب. ولا يزال لهذا البهي الجميل أبي يزن فضله وكرمه وحسه الثقافي؛ فهو يرسل إليَّ - كما إلى الكثير من المهتمين بالمجلة الثقافية - على الواتس مساء الجمعة نسخة بي دي إف لعددها الجديد، وأجد في تصفحه متعة وإفادة. لقد أصبح ما تبذله الصحيفة - أي صحيفة - في أيامنا هذه من جهد في الاضطلاع بمهمة التحرير والنشر الثقافي، وانتقاء الكتَّاب، والترامي إلى أهداف ذات قيمة، عبئًا ثقيلاً في مناخ لم يعد مواتيًا في صناعة الصحافة ومهنيتها. ومن هنا يبدو الاحتفاء ببلوغ «المجلة الثقافية» في صحيفة الجزيرة بعددها ال600 دلالة معبِّرة عن الفرح بقدرتها على الاستمرار، ولكنها - في الوقت نفسه - مناسبة تدعونا فيها نموذجية الجزيرة الثقافية إلى مناشدة وزارة الثقافة أن تقوم بدراسة الإعلام الثقافي دراسة في ضوء التطورات والعقبات الراهنة؛ للخلوص من ذلك إلى ما يدعم فعلاً إعلاميًّا معززًا للتنمية الأدبية والثقافية. شكرًا أبا بشار، وشكرًا أبا يزن.. ولا عدمنا همَّتكم.