أتطوي هكذا إذًا مئزرك يا أعرابي مستيقنًا مستمكنًا على ظهر راحلتك شدادك ومتاعك. وعلى أحد أجناب «خِرجِك» ذات اليمين من مفاء أضابيرك, ما قصصناه لك من نبأ القوم وأسمعناك من أشعارهم ومنثورهم, وأقاصيصهم, ورواياتهم قديمها الأثيري وحديثها الأسجح. وعلى أجنابها ذات الشمال تقر عينًا وعينك باردة على قربة مائك, مستعينًا بالله ثم بها إثر قفولك أرض خليجك. أتُرى غائلة «صحراء فزان» أفزعتك مثلما أفزعتنا في سنوات القحط وطحتنا؟ فلم نجد مندوحة سوى أن دسّرنا جدبتها ورمضة قحطتها وهدأناها وألفنا وحشتها بأضخم مشروع لنقل المياه في العالم «مشروع النهر الصناعي العظيم» فلتهنأ هاشًا باشًا, ميممًا وجهك للجزيرة. فلا ترهقن يا أعرابي, فنحن وربك وربنا منذ سؤالك عن راحلتك يوم أمس وتحريصك على أن نروي قربتك, علمنا ما أنت عازم عليه في غدك.. بعد أن أنهيت جولتك المغاربية التي بدأتها في الثالث من نوفمبر 2018م, من المغرب. وبعد مكثك فيها جائلاً في مشهدها بين المفكرين والأدباء والمثقفين, أنست السير في مسيرك لتونس الخضراء فولجتها مطلع ديسمبر المنصرم, وهناك أيضًا أنست حالاً وموئلاً بين أدبائها ومثقفيها وتتبعت فنونها وأعلامها حتى سفح الجبل الذي أوى إليه ضريح الشاعر أبي القاسم الشابي تحسست قلبك وقلب الشابي الذي أودى به هناك مقبورًا فيما خلد أشعاره في بقية أيام العرب, كما حملت أحمالك بمقولات ابن خلدونهم, ثم أنستنا ضيفًا علينا في ليبيا منذ الثاني عشر من مستهل هذا العام 2019م, وغدًا نودعك بعدما عزمت على سلك الفجاج والسبل الموصلة للخليج العربي.. تمنيناك لو كانت في الأماني أن تطيل المقام بيننا ونزيد من ليال السمر والأنس سامرين ومارين بنصب وبقايا أحجار متراصة متكومة من مسارح الرومان والإغريق ونحدثك عنها كيف كانت قبل بدء التاريخ الميلادي, وكيف حال مسرحنا اليوم.. وتمنيناك لو كانت بالأماني أن ترتشف ألوان التشكيليين وتتلون أطراف ريشتك المبروزة باللامعقول والانبساطية.. لنرسمك تجريديًا وتعبيريًا وانطباعيًا.. ولنقول لك كيف انطباعاتك عن إرثنا ومنتوجنا؟ فقلت: ورب الليبيين والليبيات. لقد زاد قلبي تعرشًا بكم ما يضمن له أن يمخر رمال صحراؤكم العربية الكبرى ويلهم رمالها الحارة حتى حسبت نفسي نهركم العظيم, ألا ليتني كما جريت نحوكم متبخترًا في مشهدكم الأدبي أجري نحوكم لنحوكم .. ولكنها سنن الحياة تمضي مثلما بدأت تطوي.. وهاهي تنطوي الرحلة وسأكون في الخليج العربي في أسبوعي المقبل.. لكني لحظة إذ لم تبلج شمس وجهتي. إلا أن ملامحها مدرهمة «رحولي» نحو كويت إخوان مريم أو إمارات عيال زايد. أيها الأصدقاء الليبيون دعوني اليوم أترنم بشذى حرفكم ومسكه المختتم.. وفي سبتنا القادم أعيروني أسماعكم كي تلقفوا الصدى لأعرابيكم وأنّى حُطّت رحاله.. جذور المسرح تعود لعصور الإغريق والرومان اختلفت المدونة التاريخية في تحديد بداية انطلاق المسرح الليبي، إذ برزت ثلاث وجهات نظر لبدايات ظهور المسرح. فمنهم من أعاد ظهوره لعصور بعيدة قبل الميلاد, ويرى آخرون أن يكون في أواخر العهد العثماني, فيما الفريق الثالث يرجح أن كل ما مضى لا يعد كونه مسرحًا جادًا كالذي ابتدأ مع الفنان محمد عبدالهادي في سنة 1926م. وأوضح «للثقافية» الفنان والناقد المسرحي علي يوسف رشدان: أن أصحاب الرأي الأول: يرون أنه تمتد جذوره إلى فترة قديمة قبل الميلاد، فترة تواجد الإغريق والرومان في ليبيا، لوجود عدد من المسارح الأثرية التي لا زالت بقاياها موجودة حتى الآن، في مدن صبراتة ولبدة وشحات، ويأتي على رأس هذا التوجه الباحث المهدي أبوقرين، يقول: «... لم تكن النهضة المسرحية في ليبيا في القرون الأولى من خلق الإغريق أو الرومان، بل كانت من إبداع الليبيين وإن أضاف إليها الإغريق أو الرومان شيئًا من فنهم وذوقهم». فيما يرى أصحاب الرأي الثاني: أن المسرح في ليبيا انطلقت مسيرته في أواخر العصر العثماني الثاني، وتحديدًا عام 1908م، حيث قامت فرقة التمثيل العربي بطرابلس، والتي كان يشرف عليها محمد قدري المحامي، بتقديم مسرحيتين هما: (وطن - وشهداء الحرية) وتوقفت هذه التجربة المسرحية بعد سنوات قليلة من بدايتها، بسبب الغزو الإيطالي عام 1911م، ويأتي في مقدمة هذا التوجه الكاتب والباحث المسرحي: (البوصيري عبدالله). درنة شهدت البداية على يد محمد عبدالهادي وأخيرًا يرى أصحاب الرأي الثالث من الباحثين القول: إلى أن ما قدم عام 1908م من تجارب مسرحية لا يعد بداية للمسرح الليبي، وأن البداية الحقيقية للمسرح كانت على يد الفنان محمد عبد الهادي في عمل مسرحي سنة 1926م، في مدينة درنه، إذ قام بتكوين فرقة مسرحية قدمت أو ل أعمالها (خليفة الصياد) عام 1931م. ثم أوقفت السلطات الإيطالية، الفرقة عن نشاطها بعد عرضها الأول، ونقلت بعض أعضائها خارج المدينة، وبذلك توقفت عن العمل؛ لتعود الفرقة وتمارس نشاطها مجددًا وقد حملت اسم (هواة التمثيل) عام 1933م، وقد أسهمت هذه الفرقة، من خلال زياراتها لبعض المدن الليبية، من بينها طرابلسوبنغازي وتقديم عروض لعدد من مسرحياتها عام 1936م، في انطلاقة المسرح الليبي في المدينتين، فنجد أن المسرح في مدينة بنغازي بدأ نشاطه عقب هذه الزيارة مباشرة، فتكونت فرقة (الشاطئ) وكتب لها أول أعمالها المسرحية الصحفي عمر المحيشي «الوفاء العربي»، كما تعرضت هذه الفرقة بسبب هذا العمل، إلى التضييق من قبل الحاكم العسكري. وبعد مرور بعض الوقت قام الفنان رجب البكوش والذي كان من بين الأعضاء المؤسسين للفرقة الأولى، بتكوين فرقة مسرحية جديدة، وقدمت أول أعمالها من تأليفه وإخراجه «الشيخ إبراهيم» لتستمر بعدها الأعمال المسرحية بهذه المدينة. أما في مدينة طرابلس فقام عدد من الشباب الليبيين بتكوين (فرقة مكتب الفنون والصنائع للتمثيل والموسيقى) 1937م, وقدمت أولى أعمالها المسرحية والذي حمل عنوان (وديعة الحاج فيروز الخرساني)، وهي مستمدة من التراث العربي. المسرح الليبي مسكون بالترقب والروح ورجح رشدان: تؤكد الوثائق التاريخية ما ذهب إليه أصحاب الوجهة الثانية، وهي أن البداية التاريخية للمسرح الليبي الحديث، بدأت عام 1908م, إذ شهدت تجربة محمد قدري المحامي المسرحية. أما الانطلاقة الحقيقية للمسرح فهي في الأعمال التي قدمها محمد عبد الهادي وفرقته عام 1931م. وبذلك المسرح الليبي ومنذ انطلاقته الحديثة عام 1908م لم يعرف التوقف رغم الصعوبات والعراقيل التي شهدتها مسيرته والتي كادت أن تعصف به إلا أنه استطاع المقاومة والاستمرار متحديًا تلك الظروف. مشيرًا إلى ما قاله الباحث المسرحي «البوصيري عبدالله» في إحدى لقاءاته: «المسرح الليبي هو أكثر الأجناس الأدبية والفنية عرضة للمصادرة والحجب... إنه مسكون بالترقب، ومسكون في الوقت ذاته بروح المشاكسة.. إن صراعه مع السلطة الرقابية له فعلاً تاريخ طويل ومرير، وقد حاول المسرحيون الهروب من عين الرقابة وتجاوز الزمان والمكان، فأحيانًا كان الهروب يتم بواسطة اللجوء إلى التاريخ واستلهام التراث. وأحيانًا بأسلوب (شد العصا من الوسط) بحيث لا تعرف الرقابة ما إذا كانت المسرحيات تسير وفق أحكامها أم أنها على الضد». ورغم ذلك ظلت تجربة المسرح الليبي «زاخرة بالعطاء، وتعد من التراث الثقافي الوطني. كما أنه وخلال هذه الرحلة كسب المسرح مواقف وطنية وقومية وإنسانية واجتماعية مشرفة، وهي أجل مكاسبه، ثم كسب كتَّابًا رسخوا الدراما كجنس أدبي بجانب الرواية والقصة، ومخرجين مسلحين بالعلم والدراسة مما ساعد على تطوره الحرفي، وكفاءات في مجال التمثيل والديكور والموسيقى التصويرية، وكتَّابًا حاولوا اقتحام النقد التطبيقي فتركوا لنا تراثًا نقديًا جديرًا بالدراسة، وكذلك كسب عددًا من الأبحاث الأكاديمية ما يعني ترسيخ وتجذير التجربة المسرحية الليبية». وأضاف: «وعبر هذه المسيرة الحافلة بالعطاء والتضحية تظهر لنا أسماء مئات الممثلين، وعشرات المؤلفين والمخرجين والفنيين، ساهموا باقتدار في نشر هذا الفن وترسيخه ولعبوا دورًا بارزًا في نشر الوعي والثقافة في المجتمع. على سبيل المثال الممثلين: محمد عبدالهادي، رجب البكوش، محمد حمدي، مصطفى الأمير، محمد شرف وآخرون.. في مسيرة طويلة ومتعددة الجوانب لا تفيها المساحة حقها, لكن بعض الضوء يذهب العتمة عنها وينير درب السالكين». تشكيل الخمسينات بسيط وعفوي مثلما مرت الحركة المسرحية بثلاث مراحل في التاريخ الليبي، كذلك الحال مرَّ على الفن التشكيلي أو لنقل التجارب التشكيلية. الفنان والناقد التشكيلي عدنان «بشير معيتيق» سلط الضوء عليها: مؤكدًا أن أول ظهور نتاج للتشكيلين كان في مطلع الخمسينات، التي اتصف نتاجها الفني بالبساطة والعفوية، فيما تجسد الثانية كما يرى الأستاذ أحمد الغماري مرحلة ما بعد عودة الفنانين الليبيين الذين درسوا في الخارج، بداية الستينيات ومن هؤلاء: الأمين الطاهر المغربي الذي حافظ على علاقة متوازنة بين التراث والمشهدية الليبية وبين اللوحة التشكيلية التي فيها تقنيات رسم حديثة واستنطاق فكري للتراث. تحول الرسم من الانبساطي إلى الانطوائي اللامعقول يقول «معيتيق»: ونجد من الجيل نفسه «علي الزويك» الذي اشتهر في بداياتها برسمه لبيوت الجير القديمة وكانت تلك مادة لاستنطاقه للطبيعة ثم تحول من الرسم الانبساطي المرح الذي كان يحتفي فيه بالماضي الجميل إلى الرسم الانطوائي الكئيب وتبنى فكرة اللامعقول في جميع أعماله الأخيرة. أيضًا من الجيل نفسه «علي العباني» الذي درس فن الرسم بإيطاليا، وهو عضو مؤسس لنادي الرسامين بطرابلس سنة 1960م, الذي تحول في نهاية الثمانينات ليستغنى عن محاكاة الواقع الخارجي وركز على الصوت الداخلي الذي يبدو من الأشكال وانتهى بالألوان بتجريد الشكل وأن يكون اللون النور هو الغاية. كما ضمت تلك المرحلة «محمد ستيتة». وفي السبعينيات أيضًا كان حضور المزيد من التجارب التي كان أصحابها قد تخرجوا من أوربا وأمريكا واستفادت من تجربة التلاقح مع الخارج منهم «عياد هاشم، والتيجاني أحمد زكريا». ثم أتت المرحلة الثالثة المتسمة بتطور الرؤية الفنية لدى الفنانين وحملهم أفكارًا جديدة عما سبقها، فضلاً عن مواكبتهم المفاهيم الحديثة في الفن التشكيلي منذ الثمانينات: «مرعي التليسي, القذافي الفاخري سالم التميم» تميزوا بإنتاج أعمال فنية ذات ذائقة بصرية معاصرة برؤيته غير التقليدية في الطرح بالاختزال في الشكل وتأكيد المعنى. أما في التسعينيات برزت تجربة «مصباح الكبير» وهو يستحضر مقاطع بجودة عالية من سيرة الماضي بتلك الوجوه والقصص المنسوجة بمعاجين المشاعر الإنسانية شديدة الدراية بالمحيط وهو يرصد المكان ومكوناته من خلال وعي شديد الخصوبة والخصوصية. أما تجربة «علي عمر» فكان من ضمن الفنانين الذين استعملوا الحرف والكتابة مسارًا إبداعيًا ملفتًا, لما في هذا الحرف من قيمة تشكيلية وإدخال القصائد الشعرية من العصر الجاهلي والأقوال المأثورة من الأدب العربي الإسلامي. بينما نجد تجربة «محمد بن لامين» الذي استطاع الجمع بين الأدوات التقليدية حتى البدائية منها وآخر ما أنتج في معامل صناعة الألوان والأحماض الكيميائية كالرسم بحبر «الدواية» والأحماض الكيمائية لتحميض الصور والأفلام التقليدية والألوان المختلفة لاقتناص لحظة التفاعل الحاصل بين التقاء مواد عدة مختلفة مع مشاعر ورؤية الفنان على سطح العمل الفني. كما اشتغل ضمن مخرجات فنون ما بعد الحداثة حيث يعتمد هذا الفن على التعدد في الأدوات والتركيز على الفكرة وخلق مناخ غير تقليدي بمحاكاة موضوع المادة المراد تمثيلها في العمل الفني, إذ يقوم الفنان باستعمال الطين وخلطه مع معاجين أخرى أو استعمال الحديد والخردة ومخلفات الحرب للتعبير عن مآسي الحرب نفسها. أما «علي المنتصر» فأعماله تتمظهر فيها الفخامة الفنية وتدعمها فلسفة عميقة ومدركة بعلم العلامات والدلائل ومناخات لونية مختلفة بفعل مخزون بصري معرفي كبير وذائقة منفتحة على العالم كله تلامس العديد من الثقافات، فالموسيقى تمثل جزء كبير من مصادر الإلهام عند الفنان وتبرزها حركة الفرشاة وأثرها المتروك على أسطح لوحاته الفنية. الانطباعية والوحشية والتعبيرية والتجريدية ويضيف «معيتيق» في حديثه حول التشكيليين الليبيين: كما جسدت تجربة «يوسف فطيس» المتأني ميزة خاصة في انتقاله بين المحطات، لكونه يعرف كيف يتجه وإلى أين يتجه بتجاربه التشكيلية، التعبيرية التجريدية غالبة على معظم أعماله الحديثة. بينما «نجلاء الفيتوري» انتقلت بين محطات عدة تشكيلية فكانت الانطباعية والوحشية والتعبيرية التجريدية من أهمها كما تمكنت الفنانة من أدواتها في وقت مبكر من حياتها الفنية باستعمال ألوان «الاكريليك» سريعة الإنجاز لمقترحاتها الفنية. ونجد أعمال «رمضان نصر» بمنزلة الكشف عن مخطوطات شرقية وما تحمله من رسومات وخرائط، طرق تفضي لمساحات مضيئة بالغة الخصوبة وحدائق مليئة بثمار ناضجة متعددة المذاق ومختلفة الأشكال والألوان, كما ولج إلى داخل دهاليز التاريخ الليبي عبر حساسية فنية مرهفة والوقوف عند محطات من الذاكرة الشعبية لحياة الناس العاديين في الماضي والحاضر. وأضاف «معيتيق»: وتظل بهجة النظر في أعمال الفنان التشكيلي والخطاط الليبي محمد الخروبي, في متعة القراءة بتأنٍ وعلى عجل أمام نصوصه البصرية, آيات قرآنية وأقول مأثورة وأبيات شعرية مختارة بعناية فائقة, تغمر وجه المتلقي نسمات باردة للألوان شفافة ممزوجة بخبرة سنوات من الدراسة والعمل الشاق في مجال الرسم والتلوين والتعامل مع مناخات تشكيلية تقترب من الأعمال التجريدية الخالصة في شكلها العام. رسم العاديين الهامشيين أما الفنان أحمد الغماري المهتم بالمدرسة الواقعية الفائقة جدًا (Hyperrealism) ونجح في توظيفها لتمرير أفكاره الخاصة والتي يظهر فيها اطلاعه الواسع على فلسفات ونظريات الفنون الحديثة فيركز على التنافس مع الآلة ويحاول محاكاتها في إنتاج أعمال باليد توحي بالاقتراب من الكاميرا, رسم الناس العاديين بل الهامشيين من جيرانه وأصدقائه مركزًا على الحالة النفسية وإبرازها في أغلب «بورتريهاته» المرسومة رغم أسلوبه البالغ الدقة في الوصف للملامح. وهناك تجربة «عبدالرزاق الرياني, ومريم العباني, وجمعة الفزاني, وعبدالقادربدر..», واختتم «معيتيق» حديثة قائلًا: كما لا يمكن أن نسهو عن تجربة «توفيق العويب» الذي عمل على تقديم مقترح تشكيلي مليئ بالسرد، إذ نجح في ذلك نجاحًا كبيرًا، فهو يرسم المرأة وغيرها من المفردات التي لها دلالات كبيرة في عقول الناس, أما «يوسف السيف» فقد اهتم برسم الإشارات والرموز الليبية القديمة ونجح في إدماجها في لوحات تجريدية, وأصبحت هذه المفردات أصيلة في أعماله. وفي مجال النحت نجد اسمين مهمين تجدر الإشارة إليهما «علي الوكواك, ومحمد زعطوط». الرسام الساخر محمد الزواوي وفي سياق فني آخر له لغته الخاصة التي مازته عن الفن التشكيلي أو الرسم، تميز به عدد من الفنانين أصحاب الحساسية الخاصة واللغة الساخرة في بناء فني معين تطرق إليها رئيس المختبر النقدي الناقد «عبدالحكيم المالكي» وهي تجربة الرسم الساخر (الكاريكاتير) للفنان الليبي المعروف (محمد الزواوي 1936 – 2011): مؤكدًا نجاحه بشكل كبير في التقاط الشخصية الليبية ومفردات الحياة الشعبية اليومية التي حولها إلى أيقونات مميزة للوحاته الساخرة. مواصلًا نجاحه كذلك في استيعاب تلك التفاصيل الدقيقة التي تعبر عن آلام وأحلام البسطاء، فكان في لوحاته صوتًا لهم، معبرًا عن أشواقهم ورغباتهم أو مستنكرًا تخلفهم ونزواتهم. كما رسم لوحات القصة المصورة للأطفال في مجلات مختلفة منها «مجلة الأمل»، ورسم في العديد من الصحف الليبية والعربية بأعمال تصدر في صورة سلاسل منها صحيفة الشرق الأوسط والأهرام.. ثم أصدر كتابين ضما جزءًا من لوحاته: «الوجه الآخر، وأنتم». إذاعة تونسوإيطاليا عرَّفت بالأغنية والموسيقى الليبية لم يكن هناك تاريخ واضح يحدد زمن البداية للأغنية الليبية ولا الموسيقا، ولكن ما يتفق عليه روادها أن جذورهما تمتد لعقود، وقد أخذا في الظهور على السطح مع نهاية القرن التاسع عشر 1835- 1911م. وبيَّن عضو المختبر النقدي بمصراتة رئيس القسم العام بكلية العلوم التقنية بمصراتة «عمران عوض بالروين»: أن ذلك الظهور في زمن شرعت فيه افتتاح المدارس النظامية في بعض المدن الساحلية، وتأسست فيه مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية وما واكب ذلك من إنشاء للمطبعة الحكومية, وما ترد إلى طرابلس حينها من العديد من الفرق الفنية من مصر والشام. إذ تشير المصادر أن أول فرقة مصرية جاءت إلى طرابلس كان سنة 1880م». وأكد أن من بين أهم الأسماء من جيل الرواد الفنان بشير فهمي الذي هاجر في العشرينات من القرن الماضي إلى تونس, وعرَّف هناك بالأغنية والموسيقا الليبية من خلال الإذاعة التونسية والفرنسية التي كانت تبث وتقدم أغانيه. كذلك الفنان كامل القاضي الذي قام بتسجيل أغانيه في إيطاليا سنة 1935م, والفنان العارف الجمل الذي قال عنه د. عبد الله السباعي: «أنه كون أول جوق موسيقي عربي تخصص في إحياء الحفلات الساهرة في المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية واستطاع من خلاله جذب الناس إليه». المدائح والموشحات والمألوف وقال «بالروين»: ونظرًا لطبيعة دور الزوايا الدينية في ليبيا فقد ارتبط الناس بالفن الذي يقام في المناسبات الدينية والاجتماعية ومن ثم عشقهم لفن الموشحات والمألوف كونه فنًا ملتزمًا. ومن جيل الرواد في طرابلس الفنان عثمان انجيم والفنان محمد التومية المشهور «بقنيص», أما في بنغازي فكان للفنان علي الشعالية الأثر البارز في انتشار الأغنية الليبية الملتزمة، ويعد من روادها في ليبيا عامة, ومن الرواد أيضًا الفنان السيد أبو مدين المعروف ب«شاذي الجبل». أما أبرز من اشتهروا بالتلحين: محمد حسن بي, علي الحداد, عبد الباسط البدري, إبراهيم أشرف, إذ ساهم هؤلاء الرواد وغيرهم الكثير من الفنانين والمغنيين والملحنين في رواج الأغنية بشقيها التقليدي الأصيل والشعبي, نذكر منهم إلى جانب من ذكرنا في العقود الأولى: في فترة الخمسينات محمد مختار وإبراهيم حفظي ومحمد صدقي وخيرية المبروك من بنغازي ومن طرابلس: محمد سليم, خليفة الفرجاني «نوري كحال» محمود الشريف, محمد مرشان, كاظم نديم, حسن عريبي. كما كان لتأسيس الإذاعة الليبية في منتصف سنة 1957م, بفرعيها بطرابلسوبنغازي أثر كبير في انتشار الأغنية وخاصة في بنغازيوطرابلس، إذ تم إنشاء قسم للموسيقى والغناء بكل منهما، فكان الفنان محمد مرشان على قسم طرابلس, والفنان علي الشعالية على قسم بنغازي. وقام في تلك السنة الفنان حسن عريبي في ذلك الوقت بمدينة بنغازي وقدم العديد من أغانيه هناك، ثم قدم سنة 1964م إلى طرابلس وأسس فرقة الموشحات والمألوف، إذ تعد ليبيا من الدول العربية الأوائل في إنشاء هذه الفرقة الخاصة بالمألوف، وقد تربع الفنان بفرقته على عرش المألوف في الوطن العربي طيلة حياته تقريبًا ونال العديد من الجوائز. وأضاف «بالروين»: بفضل هؤلاء الرواد في عقودهم المتتالية أخذت الموسيقى والأغنية الليبية في التطور والازدهار حتى نهاية العقد السابع من القرن المنصرم. فيما استمرت الأغنية الشعبية في الاتساع لعدم ارتباطها بمؤسسات الدولة وظلت متنفسًا لعامة الناس. كما بدأ في الفترة نفسها التعليم الموسيقي المنظم بافتتاح المعهد الوطني للموسيقا, وقد ثم الاستعانة بالخبر ات العربية من مصر وتونس مثل: الفنان محمود حنفي, عطية شرارة, عبد الفتاح منسي من مصر والفنان صالح المهدي من تونس. كما كان من رواد فترة الستينات والسبعينات والثمانينات في الموسيقى والفن الموسيقى الأصيل والشعبي على السواء الفنان محمد حسن, إبراهيم فهمي, عادل عبد المجيد, عطية محسن, نوشي خليل.. أما من الفنانين الشعبيين فبرز علي الجهاني, علي التركي, حميدة درنة وآخرون. «وزاد»: إن من أشهر الأغاني المشهورة في ليبيا: أغنية الأذكار والمدائح النبوية تغنى بها رواد الزوايا الصوفية في الحفلات الاجتماعية والمناسبات الدينية. وأغنية الموشحات والمألوف، ويعد هذا الفن الأصيل من الموروث عن الحضارة الإسلامية في المشرق العربي والأندلس، ولعل أشهر رواده الشيخ محمد تومية المشهور «بالشيخ قنيص», والفنان حسن عريبي. كذلك هناك الأغنية الطرابلسية «أغنية الفن الأصيل» كما يسمونها وترجع التسمية كونها كانت بداياتها في طرابلس ثم بنغازي ثم انتشرت في باقي ليبيا وتعتمد على الموسيقا والشعر من التراث العربي مع شيء من التطوير في الأداء باللهجة المحلية, تربع على عرشها الفنان محمد حسن. وأخيرًا هناك الأغنية الشعبية وتسمى (المرسكاوي أو المرزقاوي), وهي موروث شعبي تطور مع تطور الأغنية الأصيلة وهي لصيقة بالمواطن أكثر، إذ جد فيها المساحة المفقودة للتعبير عن أحواله وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة الماضية. مختتمًا قوله: إن الأغنية الليبية كانت في بداياتها تؤدى في أنواعها المختلفة بما توفر من الآلات الموسيقية المستخدمة في حينه. وهي على ثلاثة أنواع: آلات وترية، وآلات النفخ متمثلة في آلة المزمار بأنواعه (الزكرة أو المقرونة) و(الفحيل أو آلة الناي)، وآلات الإيقاع متمثلة في آلة الطبلة (الدربوكة), آلة البندير.