خمسة أعوام فارقتني وأنا أسأل نفسي كلما بلغتُ مرحلة من المعرفة: «ماذا أفعل بهذا الوعي لوحدي..؟» ويتشعب السؤال المؤرق في ذهني إلى فروعٍ متشابكة وحادة من الأسئلة التي تنمو في خُلدي مع نمو معرفتي «المكتسبة». وأنا أعرف كل الإجابات وأقاومها، وأخشى أيضًا من الانقياد إلى ما يُسمى بِعُزلةِ المُثقف. وأبيح القول عن نفسي «مُثقفًا» أو شبه مثقف على الأقل، وذلك على اعتبار ما بلغته مِن القُدرة على تقبُل الآخر، والانسجام مع إنسانيته، والفصل بين النص والشخص، ومحاكمة نفسي، ومحاسبتها على أخطائها، وعرض آرائي دون فرضها كما قال الدكتور الغذامي في ملفه الشخصي على Twitter. خمسة أعوام مضت وأنا أعرض بعض الرأي وأسكت عن بعضه الآخر، تاركًا لذكاء المُتلقي فُرصة تفكيك «الرمز» في قولي، ليس خوفًا مِن نقيضي الإنساني الذي يُقرِّع جُرأتي لو أنني «تجرأت» بقدر ما كنت أنأى بنفسي عن مُجابهة من لا يملك «الأخلاق» على الأقل ليخسرها، فيما لو جاءني مُنقضًا ليحوِّر قولي، ويُلصق التُهم في شخصي الذي لم يفعل شيئًا عدا ممارسة حُرية التعبير لا أكثر. خمسة أعوام من الكتابة الصحفية، وعبر المنابر المفتوحة في جُل مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة، وفي رواياتي التي تورطت بها، ومازلت مُنذ انطلاقتي الأولى مُطمئنًا إلى ارتفاعِ سقف الحُرية فيما يخص ضوابط النشر، وغير مطمئن لأضداد الحُرية الذين لا يكتفون بعرض آرائهم المضادة لرأيك فحسب، ولكنهم يسعون إلى إقناعك بما يرفضه عقلك، وإلا لوصفوك بأقذع الألقاب، رغم أن البعض منهم يقدم نفسه على أنه المفكر والمثقف والكاتب والنابغة والعالم وكل شيء، متناسيًا أن الحرية وقبول الآخر رغم اختلافه عنك هي فخ الثقافة الأكبر. خمسة أعوام وأنا أقول الكثير، والمؤسف هو أنني مازلت حتى الآن لم أقل شيئًا، وحين قررت القول وجدت أن قداسة المعنى الذي وصلت إليه أجل من تلطيخه في وحل المناقشات اللانهائية مع أولئك الذين يأتون إلى كل حوار، وهم متضخمون بالأفكار المسبقة، ومتأهبون للردود المُغلفة بمصطلحات لا يعون معناها. ومع ذلك، ورغم كُل شيء.. مازال ذلك الشيء الذي أجهله في داخلي يقاوم كل صدمات الثقافة، وسقوط الرموز، وصمت النُخب، ويخبرني أن للوعي ضريبة، وأن الصمت وترك الجهل على الغارب ليس حلًا حتى وإن كان هو الأسلم لدماغي..! ** **