تعد الوثائق الأهلية أحد أهم مصادر تاريخنا المحلي، وهي لا تختص بتوثيق البيوع فقط -كما يظن البعض-.. بل تجدها وثقت جوانب أخرى من مختلف جوانب الحياة: اقتصادية، أدبية، قبلية وغيرها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن خلال بحثي في وثائق منطقة وادي الفرع عثرت على وثيقة دُون بها قصيدة شعرية كتبت قبل حوالي 220 سنة، تحدث بها الشاعر عن بعض أعلام الدعوة الإصلاحية في زمن الدولة السعودية الأولى، وعند البحث في المصادر التاريخية والأدبية الخاصة بتلك الفترة لم أجد هذه القصيدة ضمن ما اطلعت عليه. ولعلي من خلال عرضها في صفحة الوراق أكون قد أتحت الفرصة لمن لديه معرفة واطلاع على خطوط علماء وكتاب الدعوة أن يستنتج اسم الكاتب؛ والذي يبدو لي أنه هو صاحب القصيدة. وفي ما يلي وصف وتحليل مبدئي للوثيقة ومحتواها: وصف الوثيقة: عدد الأسطر: 14 سطراً، كل سطر يحتوي على بيتين حتى البيت السابع ثم يصبح كل سطر يحتوي على بيت ونصف، وبعض الأسطر تبدأ بعجز بيت. حال الوثيقة: أصلية ملونة بناء القصيدة: مكتمل تقريباً، حيث بدأها الشاعر بالشوق والسلام وختمها بالصلاة على النبي، والنقص الموجود بها فقط في الشطر الثاني من البيت الحادي عشر. الكاتب والشاعر: لم يدون الشاعر اسمه على الوثيقة لكن يبدو أنه من أهل نجد، حيث معظم الذين ذكرهم في قصيدته هم من علماء نجد، كذلك قوله: (إن المضايين أخوانا لنا صدقوا) يوحي بأنه يتكلم بلسان أنصار الدعوة من أهل نجد، أما كاتب القصيدة فيبدو أنه هو الشاعر نفسه وذلك نظراً لكثرة التعديلات وتدوين بعض أشطر الأبيات بأكثر من صيغة وهذا بلا شك من أساليب الشعراء أثناء الكتابة. موضوع القصيدة ومناسبتها: يبدو أن الشاعر قال هذه القصيدة وهو في مهمة أبعدته عن من اشتاق لهم وعددهم في قصيدته، حيث يقول في البيت الحادي عشر: (والأخ المُساعِد لي). وقد تكون تلك المهمة في وادي الفرع حيث وُجِدت هذه الوثيقة ضمن مقتنيات أحد الأهالي. زمن القصيدة: لا شك أنها قيلت في زمن ولاية الإمام سعود بن عبدالعزيز 1218- 1229ه حيث ذكره الشاعر باسمه، ووصفه بإمام المسلمين، والذي أميل إليه أنها قيلت سنة 1220 بناء على ما يلي: 1- يذكر الشاعر إزالة مظاهر الشرك والبدع وهذا لا شك أنه بعد دخول الجيش للمدينة المنورة. 2- ذكر في البيت الثالث اسم بداي وهو بداي بن مضيان الظاهري الذي حاصر المدينة ثم دخلها وتوفي بها سنة 1220ه. نص القصيدة: الأعلام المذكورون في القصيدة حسب ترتيب الأبيات: 1- بداي: ذكر الشاعر اسمه مجرد لكنه في الأبيات الأخيرة قال: إن المضايين إخوانا لنا صدقوا، وبذلك يكون المقصود الشيخ بداي بن بدوي مضيان وأخويه مسعود وبادي، وقد ذكر المؤرخ عثمان بن بشر أن بادي وبداي زعماء قبيلة حرب قدموا على الإمام عبدالعزيز بن محمد وبايعوه ثم أرسلهم لمحاصرة المدينةالمنورة حتى سلمت لهم بعد سنوات. 2- قرناس: هو قرناس بن عبدالرحمن صاحب بلد الرس بالقصيم عالم وقاض معروف، كان الإمام سعود- كما يقول ابن بشر- يرسله للجيش المحاصر للمدينة يقرر لهم التوحيد والفرائض واستمر على ذلك سنوات. 3- ابن حجي لم يذكر اسمه الأول لكن هناك عالم نجدي يقال له إبراهيم بن حجي ذكره ابن بشر في ترجمته للشيخ عبدالعزيز الحصين في حوادث سنة 1237ه. ويبدو أنه من العلماء الذين كان الإمام سعود ينتدبهم للقضاء في بعض البلدان. وقد ورد اسمه وخطه وختمه في وثائق وادي الفرع (9) كما ورد اسمه في رسالة من الأمير مسعود بن مضيان يأمر بقبول أحكام وفتاوى ابن حجي وعدم ردها(10). أولاد سيف: ذكرهم الشاعر في بيتين وهم: إبراهيم بن سيف وهو من علماء نجد، قال عنه الشيخ عبدالله البسام: ولد في ثادق وقرأ على علماء الدرعية، تولى القضاء في عدد من البلدان النجدية، وليس له ذكر بعد سنة 1257ه (11). وبالمناسبة فإن هناك عالماً آخر يقال إبراهيم بن سيف من سكان المدينة لكنه متقدم على زمن القصيدة، حيث توفي سنة 1189ه. عبدالله بن سيف: قال عنه البسام في ترجمته لأخيه إبراهيم: وله أخوان فاضلان عالمان توليا القضاء في عنيزة، وذكر منهم عبدالله بن سيف الذي توفي سنة 1225ه. الحصين: هناك عالم جليل يقال له عبدالعزيز الحصين من مشاهير العلماء في زمنه، تولى القضاء في ناحية الوشم في زمن الإمام عبدالعزيز بن محمد وابنه سعود، قرأ على عدد من العلماء منهم: الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتوفي سنة 1237ه. ابن فالح، مساعد، محمد: هؤلاء لم أتوصل إلى أي معلومة عنهم. سعود: هو الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثالث حكام الدولة السعودية الأولى. ... ... ... الهوامش (1) الكلمة غير واضحة في الأصل، لكن من سياق البيت وقافية القصيدة رجحنا أنها «نظري» مع أنها في الأصل لا تبدو كذلك. (2) الفراغات المنتهية بعلامة استفهام هي كلمات غير واضحة في الأصل. (3) كرر هذا الشطر وقال: من خط بالقلب مثل النقش بالحجر، وكأنه يريد في النهاية اختيار أيهما أفضل. (4) بياض في الأصل. (5) كتب بعد هذا الشطر: لا زالت محامده، وكأنها عبارة بديلة. (6) هنا كتب البشر ثم شطبها وكتب الصور. (7) في الأصل أصناماً، لكن لا يستقيم الوزن. (8) هنا يوجد شطر بديل لكنني لم أستطع قراءته. (9) أشهر القضاة وكتبة الوثائق في وادي الفرع، فائز البدراني، ط1، ص 57 (10) ابن مضيان الظاهري وعلاقته بالحملات المصرية، فائز البدراني، ط1، ص 126 (11) علماء نجد في ثمانية قرون، عبدالله البسام، ص 311 و314. ** **