استهلت الروائية صابرين فرعون روايتها «أثلام ملغومة بالورد» الصادرة عام 2018م عن دار فضاءات للنشر في عمان بإهداء طويل إلى الأم وإلى المعنفات حبيسات الأعراف والتقاليد، وحمل غلاف الرواية الذي رسم بريشة الفنانة رشا صوان رسمة لفتاة شاحبة نحيفة لها عينان لامعتان حادتان، يحوط العين اليمنى زخارف ونقوش وكأن الكاتبة تقول إن المرأة في المجتمع الشرقي تتصنع السعادة في ظل الرجل الشرقي الذكوري الذي أسس لسلطته المطلقة وبقي ظالما مستبداً. بدأت الروائية صابرين فرعون روايتها بسيرة البؤس التي تلازم الكثير من الأدباء «يا ابنتي عودي لرشدك.. مشروعك لا يُطعم أفواهاً جائعة»، كل تجار الأدب يعرفون أن تجارتهم خاسرة إذا نظروا لها بمربح مادي، بل ويعرفون سلفاً أن تجارتهم كاسدة، رغم أنهم يعطون أكثر مما يأخذون. «مربح الكاتب ما يمنحه للقارئ من تجربة ومعرفة ووعي»، فقد لامست الجرح الغائر في كل الأدباء في العالم العربي ومن سار في ركبهم، فمن المؤكد أنهم يعرضون تجارة كاسدة طالما لم يمنحوا حقوقهم كما ينبغي . أثقلت الروائية صابرين فرعون روايتها بكثرة الشخصيات بأكثر من عشرين شخصية أبرزها «حياة» صاحبة الصوت السارد الوحيد في هذه الرواية. أبرز الشخصيات شخصيتان متناقضتان تماماً، الأولى الأم الحنونة والمسالمة «هاجر» ، والثانية تتجسد في شخصية الأب المتسلط الجبار «فؤاد»، ثم برزت شخصية «هند» فيما بعد باعتبارها محور التأزم وسبب المشاكل، ثم إن القارئ يلحظ المبالغة في قلة الحوارات في هذه الرواية ومن المعلوم أن زيادتها في أي عمل روائي يعتبر هروباً من اللغة، لكن الروائية بالغت في قلة الحوارات، فعندما نقرأ ص 36 نلمس التذمر من القضاء ومن الفساد المستشري كونه لم ينصف حياة ولا أمها في مظلوميتهما أمام القضاء، فتارة بالتسويف في القضية ومواعيدها الطويلة وتارة أخرى في سوء استخدام السلطة بشكل خاطئ. عانت البطلة حياة من والدها الأمرّين هي ووالدتها حتى رحلتا لأخوالها «إخوة أمها هاجر» هرباً من بيت الزوج المستبد، ومع مرور الوقت واجهتا التعنيف وظلت ممارسة كسر الأنثى حتى من الأخوال وكأن لسان حالها يقول: «المستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار»، فأصبحت بين جحيمين أحلاهما مُرّ. يلحظ القارئ أن الزوجة الأولى هاجر استسلمت للزوج وقبلت ما لم تقبل به فطرة الأنثى بعد أكثر من عشرين عاماً، أنهكت روحها جراء ما عانت، فقد باركت زواج الزوج المتسلط من الضرة الجديدة «هند» التي أصبحت فيما بعد من الشخصيات الرئيسية في الرواية. يلحظ القارئ أن جريمة الحرق بماء النار لم تفصل فيها الروائية فرعون ولم تصف المشهد الدقيق، بل اكتفت بمشهد قسم الطوارئ بالمشفى ولم تذكر المتهم الحقيقي هل هو زوجة الأب هند أو الأب نفسه، واستدركت ذلك في ص 44 عندما كانت المجني عليها تستجوب للتحقيق في قسم الطوارئ، كما لم تصف حال الشارع ومن شاهد الجريمة البشعة التي وقعت في الشارع وردة الفعل ممن حولها. حاولت الروائية تصوير الاستبداد الاجتماعي واستحضاره حتى نهاية الرواية، وجعلته فكرة التأزم في هذه الرواية ص 47 ولم تصور حادثة رش ماء النار والحالة السيئة والآثار الكارثية التي تحصل جراء هذه الجريمة ، بل صورت الأمر شيئاً عادياً وآثاره خفيفة عكس الواقع الفعلي. في أحد المشاهد نستنتج: عند التقدم بالعمر يتلاشى الاسبتداد والظلم من المستبد حين تسيطر عليه امرأة أقوى منه، فيتحول إلى رجل مقيد. ظلت البطلة «حياة» مستميتة في الدفاع عن حقوقها بعد أن نمت مخالبها، تمردت وثارت رافضة الخوف والذعر، فنلحظ تغييراً في شخصية البطلة من فتاة خائفة إلى فتاة قوية تستمد قوتها من حقوقها المسلوبة. في الصفحة 59 تنقلب الحالة من ظالم أمام القضاء إلى مظلوم وهذا يتمثل في شخصية «هند» كون والدها يعرف الطبيب الذي بدوره منحها إجازة عشرة أيام، بينما المصابة الحقيقية لم تمنح سوى يومين.! يلحظ القارئ أن الشخصيات تتوالد كلما تقدمت الروائية بالسرد مثل شخصية سامر التي خرجت فجأة ص 64 ، كذلك شخصية أخيها محمود وزاهر ابن الجيران ص 69. تضمنت الرواية أمثالاً فلسطينية كثيرة مثل: _ الضرة.. مرة. _ الهريبة ثلثين المرجلة. _ ختيار يدلعك.. ولا صغير يهينك. وقد أظهرت الروائية صابرين فرعون عاطفةً وحناناً كبيراً للأم «وضعت رأسي على وسادة أمي أشم عطرها وأغسل وجعي بالبكاء»، وفي عبارة أخرى «نزلت عند ركبتي أمي قبَّلت رأسها وجهها ويديها رحت أضمها بقوة وأسمع من حولي يتهامسون مشفقين» ص 65. ثم إن الروائية أعادت القارئ لنفس الحدث السابق والمشكلة الأولى لزوجة الأب الشريرة - هند - برش ماء النار للمرة الثالثة وبنفس السيناريو القديم - الطوارئ، العلاج، والمحكمة، والجلسات، ومشاكل اجراءات التقاضي، لكن هذه المرة على موظفي الكهرباء وانتهت حين عرض الزوج فؤاد 1000 دينار لإسقاط حقهما في المحكمة وقرر المجني عليهما تقاسم المبلغ وقبول العرض ص 71. في الصفحة 83 بدأ المنولوج الداخلي للبطلة «لن تتركيني أواجه قذارة البشرية في هذه البلدة العقيم» «سقطت دموعي حتى لامست شفتي وتذوقت ملوحتها». في مقطوعات كثيرة من الرواية تنادي بطلة الرواية حياة والدها باسمه مجرداً من لقب الأب ودون قداسة الأبوة التي قلت بداخلها، بسبب ظلمه واستبداده، «توقفت عن مناداته بابا منذ وقت طويل ولم أعد أكترث بوجوده» ، كي نعيش حياة خالية من الأوجاع ينبغي أن نضع التفاؤل نصب أعيننا بولادة يوم جديد يطوي ما قبله من بؤس، «استيقظ في اليوم التالي وقد طويت كابوس اليوم السابق» ص 91. عندما تخذل الفتاة من رجل ينبغي أن يكون هو الأول في حياتها عملاً بالمثل القائل (كل فتاة بأبيها معجبة) فإنها تكره كل الرجال. « يما.. يا حبيبتي ليس كل الرجال مثل والدك وليس كل الرجال غير مسؤولين « ص 91. «لست بحاجة لرجل يعاملني كجارية» ص 92. كما تضمنت الرواية مقولات كثيرة منها على سبيل المثال : - البطالة والغباء أنجبت المجرمين. - الزواج كالبطيخة. - الطفل يتعلق بمن يحن عليه. - الدم لا يخون، بل يحفظ كرامة دمه. كما لم تنس الروائية فرعون انتماء الفلسطيني لأرضه، قام بزرعها مما أصّل شعوره بأرضه وحبه للتراب. كما أظهرت الروائية فرعون جانباً من الحياة الاجتماعية لبعض المقدسيين والمتمثلة بشخصية «رغد» ومستواها المعيشي، بيتها وسيارتها ال BMW بل وحتى الثعابين التي تحرص على تربيتها. ظلت الروائية تصور لعنة تعنيف المرأة من قبل الرجل وظلت ملازمة لآخر أوراق الرواية. «أجهضت رغد مرتين وفي كلتيهما لم يتوانَ أوس عن ضربها وتحميلها المسؤولية» ص 102 و103. صورت الروائية صابرين فرعون مفارقة هي أن العدل والإنصاف في الأحكام القضائية حصلت عليها «رغد» من محاكم المحتل اليهودي، بينما «حياة» لم تستطع أخذ حقوقها من محاكم السلطة الفلسطينية بالتقاضي بسبب الفساد، كما أن المرأة الفلسطينية واجهت القسوة وظلم المحتل لبلدها وأرضها وواجهت عنف وقسوة الرجل، والرواية بمجملها اتكأت على العنف الأسري والظلم والاستبداد الذي يقع على المرأة رواية سريعة الإيقاع تنتهي باتهام الرجل بتعنيف المرأة، وقد غادرتها دون حلول سوى العزوف عن رجل يرى المرأة كجارية. ** ** براك البلوي - كاتب وروائي سعودي