عندما تزور الجنوب الأمريكي، من ولاية كنتاكي إلى فلوريدا، وبينهما عمق الجنوب الحقيقي، معقل الرق فيما مضى، في ولايات ألاباما وميسيسيبي وجورجيا وأوكلاهوما ولويزيانا وغيرها، تلحظ العلم الأمريكي يرفرف على أبواب المنازل، خصوصاً في البلدات الزراعية والمدن الصغيرة، وهؤلاء الأمريكيون الجنوبيون يؤمنون إيماناً مطلقاً بالأمة الأمريكية القوية، التي تحكم العالم، وهم يمثلون أمريكا الرئيسين فرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، والجنرال ايزنهاور، قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ورئيس أمريكا لاحقاً، وهي المرحلة التي أعقبها فرض أمريكا نفسها كقوة عالمية، وتخللها ازدهار اقتصادي كبير، وما يميز هؤلاء الجنوبيون هو الشعور القومي الطاغي، فلا يعنيهم أحد خارج أمريكا، وغني عن القول إن معظم أفراد الجيش الأمريكي ينتمون إلى هذه المناطق الجنوبية. الجنوب الأمريكي يطلق علية «الولايات الحمراء، كناية عن أنها مناطق جمهورية، تصوت، عدا عن حالات قليلة، للمرشح الجمهوري أيا كان، لا يهم أن كان رونالد ريجان أو جورج بوش الابن، أو دونالد ترمب، وذلك لأنها في معظمها مناطق محافظة، لا تحب الغرباء، وأيدولوجية الحزب الجمهوري محافظة، مثل ما أن ولايات نيويورك وكاليفورنيا وأوريجون ولايات ديمقراطية خالصة، وذلك لأنها ولايات يغلب عليها طابع التنوع العرقي والديني، ويعتبر الجنوب الأمريكي هو قاعدة الرئيس ترمب الشعبية الصلبة، اذ يعتقد هؤلاء الجنوبيون أنه هو من سينقذهم من سطوة المؤسسة الرسمية (الدولة العميقة)، التي تعمل لصالح لوبيات الضغط، على حساب المواطن الأمريكي البسيط، سواء كان عاملاً أو مزارعاً، وقد لعب ترمب على هذا الوتر ببراعة شديدة. من يتابع إعلام أمريكا، يظن أن ترمب في ورطة، دون أن يدرك أن قاعدته الشعبية عريضة، وهي قاعدة لم تعد تكترث بالإعلام، ناهيك عن أن تصدقه، ومن يتابع تغريدات ترمب، يلحظ أنه يضرب على أوتار قاعدته الشعبية، مثل الحديث عن «أمريكا أولا»، وعن «عودة أمريكا العظيمة»، كما يتحدث ترمب عن اهتمامه بالجيش الأمريكي، والجيش شيء مقدس عند المحافظين الأمريكيين، قاعدته الشعبية، كما يكثر حديثه عن المحاربين القدماء، وأهمية الإعتناء بهم، من ناحية السكن والتطبيب، وأعداد هؤلاء المحاربين ضخمة، وكثير منهم ينتمون لمناطق الجنوب «الترمبية»، وربما لاحظتم حديثه وتغريداته عن المزارعين، ودعمه لهم، وذلك لأن معظم ولايات الجنوزراعية، والخلاصة، هي أن ترمب يعرف أن من سيزفّه للبيت الأبيض مرة ثانية هي قاعدته الشعبية، وليس الإعلام، الذي يصفه بالكاذب، ولذا يهاجم الإعلام، ويبرع في أرضاء قاعدته الشعبية المحافظة.