تحدثت في المقال الماضي عن هيئة مراسلي البيت الأبيض، وعن حفلها السنوي، الذي تقيمه كل عام، ويحضره الرئيس الأمريكي، وجدير بالذكر، أن الرئيس ترمب قرّر مقاطعة الحفل في العام الماضي، ورغم أن القائمين على الحفل حاولوا التقليل من قيمة ذلك الغياب، إلا أن المؤكّد هو أن حضور الرئيس يعتبر جزءاً هاماً من هذا التقليد العريق، ولذا كانت هيئة المراسلين تتمنى أن يحضر الرئيس هذا العام، في الحفل الذي أقيم قبل أيام، ولكن هذا لم يحدث، فترمب مصمم على أن يستمر في حربه المتبادلة مع الإعلام، الذين يعتبرهم ألد خصومه، فعدا عن قناة فوكس نيوز، ومعها نزر من الإعلام المحافظ، يقف معظم الإعلام الأمريكي موقفاً حاداً منه، وترمب ليس على استعداد للمهادنة، رغم الحقيقة الفاقعة، التي يعرفها كل من يعرف سطوة الإعلام الأمريكي، وهي أنه إعلام شرس، باستطاعته تدمير أي أحد، ولكن هذا هو ترمب، وهذه نرجسيته وعناده. الرئيس ترمب، هو أول رئيس يقاطع حفل هيئة مراسلي البيت الأبيض، منذ أن بدأ هذا التقليد العريق، قبل أكثر من تسعين عاماً، كما أنه أول رئيس تتوتر علاقته بالإعلام بهذا الشكل الكبير، إذا ما استثنينا الرئيس، ريتشارد نيكسون، ولكن التوتر زمن نيكسون، لم يكن منذ بداية رئاسته، مثلما هو الحال مع ترمب، وإنما حدث بسبب تطورات فضيحة ووتر قيت، التي فجّرها الصحفي الشهير، بوب وودورد، في صحيفة الواشنطن بوست، وكان ذلك في الفترة الثانية من رئاسة نيكسون، وهي الفترة التي لم يكملها، واضطر للاستقالة، وكان الحفل، الذي قاطعه ترمب هذا العام، صاخباً للغاية، فقد كانت نجمته هي الكوميديان، ميشيل وولف، التي لم توفر أحداً من النقد اللاذع، وركّزت في نقدها على ترمب وإدارته، خصوصاً المتحدثة باسم البيت الأبيض، ساره ساندرز، التي كانت ضمن الحضور، ولم تخف امتعاضها من جراء السخرية اللاذعة منها! ولعل هناك أمر آخر، ساهم في مقاطعة ترمب لحفل هيئة المراسلين، للمرة الثانية على التوالي، فهو له ذكريات مريرة مع هذا الحفل، قبل أن يصبح رئيساً، وقد حدث ذلك في حفل عام 2011، عندما دعي ترمب لحضور الحفل، الذي أقيم على شرف الرئيس أوباما، وكان ذلك بعد معركة شرسة، دارت رحاها بين ترمب وأوباما، إذ إن ترمب كان قد خصص مبلغاً مالياً ضخماً لمن يثبت أن أوباما ولد على الأراضي الأمريكية! وهذه لا شك إشارة تحمل الكثير من المعاني السلبية، ولم يكن يدر في خلد ترمب أن أوباما، الناعم المبتسم، سيتحول إلى وحش كاسر في ذلك الحفل الشهير، إذ لم يدرك ترمب أنه جرح نرجسية أوباما، عندما أهانه وقلّل من شأنه، ففي تلك الليلة، سخر أوباما من ترمب بشكل قاسي، وأضحك عليه حضور الحفل، وخلال تلك الفقرة الكوميدية الأوبامية، كان ترمب في غاية الغضب والاستياء، ولعل ما جرى في تلك الليلة، من عام 2011، كان دافعاً إضافياً لترمب، ليقاطع حفل هيئة مراسلي البيت الأبيض للمرة الثانية على التوالي!