يمر المجهول من حولي؛ ليعلمني بأقاصي قدراتي، ويضخم من شهية تطلعاتي. فالشجرة الصغيرة البديعة الخفيفة أمامي - مثلاً - تسعى أن تثبت وجودها في حديقة بيتي برغم حصتها القليلة من التراب والأرض. هذه الشجرة تحاول أن تستثمر مساحتها بتصاعد أغصانها فوق بعضها حتى تصير شجرات في شجرة.. كطوابق من الأشجار المتشابكة. حتى تضمن حياتها، وتتقوى ببعضها. أحاول أن أتشرب رغبتي في النمو والانتشار كتلك الشجرة التي يعجبني حسن تدبيرها لشؤونها في أضيق السبل وأصعب الظروف، وبقدر ما يتاح لها من الفرص للعيش. أستطيع أن أدخل أية ذات دون اقتحامها أو إقحامها في العلاقة الشخصية بي بفضل حدسي ومتخيلي، وأكتفي بذلك، فما هو مغلق في وجهي لا يدفعني إليه؛ لأنه لا يستحق أن أبذل جهدًا إزاءه؛ فهو دون حس؛ لذلك فالقطيعة بيني وبينه تفصلنا عن بعضنا. فلست بأنانية، ولا تروقني الأنانية حتى في الجمادات. وبرغم تعبي من استسلامي لخسائري وهي توزعني على كل مصائبي التي مضت، والمقبلة أيضًا. فحين أكتظ بوحدتي أبدو شفافة أكثر من أية حالة أخرى؛ لأنني على علاقة عميقة بنفسي. يقول فرناندو بيسوا: «أن أكون شاعراً ليس ما أطمح إليه، ولكنها طريقتي كي أكون وحيدًا». من يمكنه إدراك انشغالي بشعور يتحداني بزحفه الكبير في نفسي؟ لا أحد سواي يمكنه إدراك ذلك؛ فالشعور حالة شخصية أكثر من كونه حالة جماعية، ربما أن التعبير عنها بالكلمات أكثر جدوى من التعبير عنها شفهيًّا. أذكر هذا القول لبيسوا أيضاً: «أحياناً ثمة نشوة جمالية كبيرة بأن ندع عاطفة ما تمر دون أن نتكلم عنها.. على الرغم من أن مرورها يتطلب الكلمات!». وبرغم صعوبة التعبير بالكلمات فأنا أتواصل مع ما يمكن أن يمنحني قدرة على استنفار المعنى للانطلاق. ومع الزحام الذي يحتل دواخلي أتحد بالكون في كل كلمة توجز عاطفتي وتحتويها. ** **