يشكل الشاعر البرتغالي الأشهر فرناندو بيسوا حالة استثنائية وشديدة الخصوصية ليس في تاريخ الأدب البرتغالي والأوروبي فحسب بل في تاريخ الأدب العالمي برمته. كتب بيسوا بغزارة باللغتين البرتغالية والإنجليزية في معظم الأجناس الكتابية ولم ينشر من كتاباته تلك إلا النزر اليسير ولم تنشر معظم أعماله إلا بعد رحيله، وقد ترك وراءه كما هائلا من المخطوطات والنصوص والمسودات التي لا يمكن الجزم بصيغها النهائية. أراد بيسوا أن يعبر عن بعض أفكاره الجريئة والصادمة التي لم يكن يمكنه التصريح بها علنا من خلال أنداده هؤلاء؟ على الأرجح أن ذلك هو أحد الأسباب ما يميز بيسوا عن غيره من الكتاب ويجعل منه حالة خاصة لا تتكرر هو انه اختار أن يكتب من وراء أقنعة وأسماء مستعارة وهمية أحصى المتخصصون في دراسة أدبه ما ينيف على السبعين منها غير أن أشهر تلك الأسماء المستعارة هي تلك التي ترجع إلى أنداده أو قرنائه الثلاثة البيرتو كاييرو وريكاردو رييس وألفارو دي كامبوس إضافة بالطبع إليه هو شخصيا أي بيسوا ذاته وإن ذهب البعض إلى اعتبار فرناندو بيسوا الشاعر مجرد قناع لبيسوا الحقيقي المتعدد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. لم يكتف بيسوا باختلاق تلك الأسماء ونسبة كتابة الشعر لها بل ذهب إلى رسم ملامح حياة كل واحد من أنداده بما في ذلك سماته الشخصية وأوصافه الجسدية. وكان لكل واحد من هؤلاء الشعراء أسلوبه الشعري الخاص والمتميز عن بقية الأنداد. لماذا اختار بيسوا أن يختبئ وراء تلك الأقنعة ؟ هل كان حائرا ومترددا إزاء اختيار الشكل والأسلوب الكتابي للقصيدة؟ ثم ماذا عن الأفكار التي يطرحها كل شاعر من هؤلاء الشعراء المختلقين؟ ترى أي منها يمثل أفكار بيسوا الحقيقية ؟ هل أراد بيسوا أن يعبر عن بعض أفكاره الجريئة والصادمة التي لم يكن يمكنه التصريح بها علنا من خلال أنداده هؤلاء؟ على الأرجح أن ذلك هو أحد الأسباب. ولكن لا يمكن لأحد الجزم بماهية الأسباب الحقيقية وراء نزعته تلك لاختلاق الأنداد. قد يقول قائل : إن السبب ببساطة هو إيمان بيسوا بأن حياة واحدة لا تكفي لكي ينجز الإنسان كل ما يريد ويحلم بإنجازه لذلك أراد أن يعيش حياته بشكل مضاعف إن صح التعبير حتى وإن كان ذلك على الورق فحسب الذي هو الموئل الأول والأخير للمبدع.