رواية (الحالة الحرجة للمدعو ك) للكاتب السعودي عزيز محمد تحكي عن تجربة موظف شاب في أحد الشركات الكبيرة مع مرض سرطان نخاع العضم، وتطوراته المرضيّة والعلاجيّة. و لا يخفي السرد في الرواية تأثره بعالم كافكا القاتم ومناخاته بداية من اقتباس اسم بطل رواية كافكا المحاكمة (جوزف ك) في العنوان إلى ذكر الكثير من مقولاته في أكثر من موضع على لسان البطل. لكن أبطال كافكا طيبون، وبريئون؛ فجريجوري سامسا في رواية (المسخ) يجد نفسه عندما يستيقظ حشرة دون سابق إنذار، ويجد (جوزف ك) ومنذ السطر الأول نفسه مفترا عليه، بينما نرى (المدعو ك) و منذ اللحظة الأولى متخاصما مع محيطه وبيئة عمله، وأفراد عائلته، وحتى مع ذاته دون أن نعرف لذلك سببا. من خلال سرد تتميز لغته بالإتقان والقدرة على الغوص العميق في الذات البشرية، وبأسلوب مغاير للمألوف، نرى من خلال الراوي الأوحد أن رئيس البطل في العمل وغدا، وزملائه بلهاء، وأخته متباهية، وجده قاس، والطبيب متعال، ولا يسلم من هجائه أحد حتى مريضة بورم دماغي في حجم البيضة يستمر في وصفها خلال السرد متهكما، بالفتاة ذات البيضة في الرأس رغم أن لقاءها به كان لطيفا! استخدام المؤلف في روايته الراوي الأول على طول مساحة السرد منحها بجدارة صفة الرواية المونوفونية؛ أي رواية وجهة النظر الواحدة. و هي من هذا الجانب تحديدا تمثل العودة إلى الرواية التقليدية؛ ما قبل دويستفسكي، الذي ظهرت معه الرواية البوليفونية المتعددة الأصوات حسب المنظّر الروسي ميخائيل باختين. مثل كل روايات الصوت الواحد يكثر السرد في هذه الرواية على حساب الحوار، فلا نرى الآخرين إلا من خلال ما ينقله لنا البطل منطلقا من رؤيته الإيديولوجية ومرجحا وجهة نظره خلال الحبكة والخطاب. ويتم وأد وجهات النظر الفكرية الأخرى، وتبخيسها عمدا، مما يعني افتقار هذا النوع من الرواية إلى الديمقراطية، هذا بدوره يثير لدينا الشك في مدى صدقية البطل في أحكامه على محيطه وشخصياته!