في حوار ببرنامج تلفزيوني محلي تناول المتحاورون موضوع تغيير التوقعات والممارسات السائدة بالنسبة للتخصص، وخيارات وتفضيلات الأفراد التي ما زالت تصر على الدراسة الجامعية. وكذلك ضرورة تغيير العرف المجتمعي الذي يشجّع الدراسة الجامعية على فروع التدريب المهني والتخصصات المتعلقة به منذ المرحلة الإعدادية. تحديات الاستقرار المادي والنفسي المستدام, وقرارات التنمية الشاملة ومشاريعها واستراتيجياتها وخططها، هي أهم أسئلة تواجه أي دولة ومجتمع في أي زمن. في زمن النهضة والتقدم المعرفي تنجح مشاريع وخطط التنمية, وفي زمن ظلمة الوعي والتراجع العلمي يتعثر النمو. وبتكرار التعثر تتراجع الحضارة بكل مؤشراتها الاقتصادية والثقافية والعلمية، ويعود البشر إلى اليأس والإحباط. ومن دلائل حيوية صناعة القرار في المجتمع أن يلاحظ المختصون تراجع المؤشرات، ويخططون بجدية وفاعلية وشمولية لتعديل الأوضاع. وليس هذا مطلبًا سهلاً؛ فتحديات التنمية تصبح حادة المتطلبات حين تختلف وتتناقض مرئيات الفئات المجتمعية والمختصين وصناع القرار حول ما هو الأفضل؟ وأين توضع الأولويات؟ في الفترة القريبة الماضية شغلت ساحات الإعلام والحوار قضايا حيوية مترابطة، تلتقي عند متطلبات تنمية الاقتصاد وتفعيل المساهمة المحلية فيه: البطالة حتى بين المتخرجين, التخلص من العمالة المخالفة, التوطين, والتخوف على القطاع الخاص, وبخاصة المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي تعتمد على العمالة غير المواطنة. كثير من ردود الفعل العامة جاءت بصورة تعليقات سلبية وتهكمية على الإجراءات المقترحة والاستراتيجيات المعتمدة, ولا تتوقع نجاحها كحلول على المدى القصير؛ وبالتالي تتوقع تداعيات تفاقم الأوضاع والمعاناة الفردية. مثلاً التأكيد أن برامج التصنيع ليست مضمونة النجاح في وضع عدم توافر المواطنين المؤهلين للقيام بأعمال تشغيل وإدارة المصانع وصيانة الأجهزة والمكائن المستخدمة. واجتذاب الاستثمار الخارجي يرتبط بتقديم التسهيلات والتغيُّر في إطار التفاعل الاجتماعي البعيد عن التشدد في بيئة العمل والسوق. ما نحتاج إليه هو الثقة بالبرامج الطموحة الساعية لإيجاد حلول بدلاً من توقُّع فشلها حتى قبل أن تبدأ. التهكم هو دليل الشعور باليأس والإحباط؛ لا يحل مشكلة، ولا يبني حضارة!.. وحتى إن كانت الخطوات الأولى تواجه التحديات وتراكم المتوارث القيمي المؤثر سلبيًّا يظل التماشي والتعاون لإنجاح التحول من المجتمع الريعي إلى المجتمع الفاعل العامل ذي المردود الإيجابي مطلوبًا على كل المستويات وكل الأطراف المعنية. التصنيع من شركات كبرى عالمية إذا ارتبط باشتراط تدريب المواطنين هو بدء إيجابي، يحل مشاكل العطالة بتوفير فرص عمل للمواطن المهتم بإنهاء بطالته. والنهاية في أيدينا نحن: ألم يتعلم اليابانيون تقنية الغرب في صناعة المحرِّك، ويتفوقوا فيها على الجميع؟ فهل سنجد الشباب مبادرين بتعلم أسرار الصناعة؟ لنتوقف عند نقطة إحصائية بسيطة ومهمة: قرابة 70 % من المواطنين هم في سن الصبا والشباب، وأغلبهم ما زالوا على مقاعد الدراسة. وأكثر من 30 % من السكان اليوم هم مستقدمون للعمل في كل المستويات من المهارة والتخصص. واضح أننا نحتاج إلى كل سعودي وسعودية مؤهلين في كل فروع العلوم والتقنية والمهارات؛ ليحلوا محل بعض المستقدمين. فالتنمية التي تعتمد على استيراد كل ما نحتاج من الأجهزة المتقدمة ومن يشغلها ويصونها هي تنمية شكلية هشة ومؤقتة، لا تحتاج لتتساقط لأكثر من انسحاب اليد العاملة الأجنبية لأي سبب من الأسباب. فهل أصبحنا رهائن لأعراف وقيم مرحلة الطفرة، واستسهال الاستقدام، والإصرار على وظائف تضمن أكبر قدر من الراحة وأقل قدر من العمل؟ لنتأملْ ممارساتنا بصدق.. ونرى أنه لا بد من فرض فك الارتهان. وسأتابع الموضوع في حوارنا القادم.