لا أدري كيف خطر ببالي تصوّر عجيب حين وقفتُ في طابور طويل جداً من أجل الدخول إلى أرض المعارض في مدينة نصر لزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل أيام، وكأنني أرى الكتب كائنات عزيزة مصابة في مقتل أو هي تحتضر فكان مشهد الزوّار المزدحمين يشبه مشيعي جنازة جماعية أو على أقل تقدير زوّار مصابين في حادثة شنيعة. أقول هذا متأسفاً، وسأبرره بحسب رؤيتي التي تتعارض تماماً مع كوني من المؤلفين الذين يعتبرون معارض الكتب هي المكان الطبيعي لإيصال منجزاتهم إلى متلقيها.. بخاصة بعد تدني الغايات لدى المكتبات (التجارية) المعنية بعرض الكتب لمرتاديها طوال أيام السنة؛ تقول الإحصائيات إن زوّار معرض القاهرة الدولي للكتاب – في دورته الأخيرة - تجاوز عددهم مليوني زائر خلال الأيام الخمسة الأولى، وأقول ظاناً – وبعض الظن، لا كله، إثم – إن هذا العدد قد يكون لزوار يوم واحد فقط، بحسب ما رأيت، فإن تكن الإحصائيات مستندة على تذاكر الدخول فمعظم الزوار كانوا يدخلون بدونها إما نسياناً أو توفيراً لقيمتها (جنيه واحد) وكان حرّاس بوابات الدخول متساهلين جداً في ذلك وهذا يحسب لهم ويُشكرون عليه لأن زوّار معرض الكتاب – أيّ معرض كتاب – إنما هم يجددون الأمل بنهوض أمة علمياً وفكرياً، بعدما أطاح بأكثرها الجهلُ وغيابُ الوعي. ومما لمسته في معرض القاهرة، من خلال زيارة وحيدة قمت بها ولم أكررها برغم إقامتي الدائمة بمصر حالياً، أن الازدحام – وهو مزعج جداً بالنسبة لي – ضرورة معرفية وتستطيع أن تعتبره ثقافة حيّة لا تقل في أهميتها عن الثقافات المطبوعة على الورق، فكثير من الأحاديث تدور بين الزائرين الواقفين في طابور الدخول ومحورها (سبب زيارتك للمعرض): وكان يقف أمامي في الطابور شابٌ في غاية الاحترام والأدب قال يعرّفني بنفسه إنه (عاشق الفنان عادل إمام) ثم أفصح لي باسمه، وهو الأستاذ أحمد جمال، مخرج تقارير فنية ويعشق عادل إمام لدرجة أن جعل منزله متحفاً لصور عادل إمام وقصاصات من كل ما يُكتب عنه، ويأتي كل يوم إلى المعرض طيلة أيام دورته السنوية الممتدة لأسبوعين من كل عام.. يأتي ليبحث عن كل كتاب يأتي فيه ذكرُ الفنان عادل إمام، وقد تكون حصيلته في كل يوم لا تتجاوز كتاباً واحداً، وأحياناً لا شيء.. ذلك لأن الكتب التي تتحدث عن الفن – وفن التمثيل بالخصوص، وعادل إمام بالأخص – عادة ما تصدر في القاهرة، وعادة ما يكون هو أول الحاصلين عليها من مكتبات القاهرة قبل موعد المعرض؛ وقد زوّدت (عاشق عادل إمام) برابط قصيدة لي كانت منشورة هنا – في صحيفة الجزيرة – قبل سنوات بعنوان (مع حبي لها) وكنت أقصد (مصر) بالعنوان.. ومطلع القصيدة: (وفي مصرَ أدركتُ أنّي أضعتُ الطريقَ إلى سيفْ وأعني ابنَ أعطى حين جاء إليها وحيداً شريداً طفولته لم تؤهلْه أن يرتدي ثوبَ ضيفْ قبلَ قبلِ الثلاثين عامْ كان كلّ الزحامْ عند نجمةِ صبحٍ أو فيلم سينما أو مسرحيةِ عادلْ إمامْ)! ومع حبي للفنان النجم عادل إمام، ومع حبي لمصر، وحبي الأكبر للكتب.. أقول بصدقٍ لا يخلو من الألم: نحن نعيشُ خريفَ الكتاب؛ وأعدادنا الغفيرة كزوار لمعارضه ما هي إلا أداء واجب في تشييع جثمان عزيز بعد أن تجاوزنا مرحلة زياراته في الإنعاش. ودليلي إلى ذلك ما ذكره لي أكثر من ناشر أنه مع كل ألف زائر يقلّب في كتب جناحه رأساً على عقب، قد يوجد مشتر واحد لنسخة واحدة من كتاب واحد وقد لا يوجد؛ والسلام.