أعلنت وزارة المالية عن نتائج الميزانية الفعلية للربع الثاني من 2017، وهي السياسة الجديدة للإفصاح والشفافية التي بدأت تتبناها عوضاً عن الانتظار لنهاية العام للإعلان عن أرقام الميزانية الفعلية جملة واحدة. وجاءت المؤشرات المالية للميزانية مبشرة وإيجابية، ليس في أرقامها فقط، ولكن في دلالاتها الهامة. فقد بلغ إجمالي إيرادات الربع الثاني 163.9 مليار ريال, مسجلةً ارتفاعاً 6 % عن الربع المماثل من العام الماضي. وتنقسم هذه الإيرادات إلى جزء نفطي بقيمة 100.9 مليار ريال، بمعدل نمو 28 % عن الربع المماثل من العام الماضي، بجانب قسم آخر (الإيرادات غير النفطية) ب62.9 مليار ريال. وكل مؤشرات الإيرادات سجلت ارتفاعاً عن مثيلتها للربع الثاني من العام الماضي، الأمر الذي يعطي دلالات إيجابية على تحسن مجمل الإيرادات هذا العام عن مستواها في العام الماضي. على النقيض سجلت المصروفات انضباطا شديداً خلال الربع الثاني، وانخفضت عن مستواها في الربع المماثل من العام الماضي بنسبة 1.3 %، فقد بلغ مجمل المصروفات 210.4 مليار ريال. وبناءً عليه، فقد تراجع مستوى العجز بنسبة 20 % مقارنة بمستواه في الربع المماثل من العام الماضي. الأمر اللافت في مصروفات النصف الأول ل2017 تراجع العديد من بنودها بشكل قوي، على رأسها الإنفاق على السلع والخدمات التي تراجعت من 66.3 مليار ريال في النصف الأول من 2016 إلى 43.9 مليار ريال للنصف الأول من 2017 محققة تراجع بنحو 34 %. وهي من البنود التي كانت تشهد ارتفاعات متتالية من سنة لأخرى في ميزانيات الأعوام السابقة. ويكفي أن نشيد بإنجازات رؤية 2030 في ضبط هذه المصروفات. بدء تشكيل اقتصاد لا نفطي يضاهي الاقتصاديات العالمية في كل اقتصاديات العالم، تمثّل الضرائب الجزء الرئيسي في ميزانياتها الفعلية، ولسنوات طويلة كانت إيرادات النفط هي المسيطرة على إيرادات المملكة، في سياق ميزانية النصف الأول من هذا العام ظهر جلياً بروز واستقرار إيرادات ضريبية والتي ناهزت نسبة 30.8 % من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهي نسبة معتدلة وبداية التنويع الاقتصادي. وهذه النسبة تبعث على التفاؤل لأنها بدأت تمثّل نسبة معنوية مقارنة بمجمل المصروفات والتي بدأ - خلال النصف الأول من العام حوالي 380.7 مليار ريال. فتحقيق الإيرادات غير النفطية لنسبة 24.9 % من مجمل المصروفات الحكومية مؤشر تحسن لإدارة الميزانية السعودية، رغم أن المملكة لم تطبّق كل السياسات المالية المخططة في سياق رؤية 2030 حتى هذه اللحظة. تحسن قوي للإيرادات الضريبية للربع الثاني شهدت إيرادات الضرائب تحسناً كبيراً خلال الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من هذا العام، حيث ارتفعت من 32.1 مليار ريال إلى 62.9 مليار ريال. ومن أبرز بنود التحسن، الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية والتي من أهمها دخل الشركات والمنشآت الأجنبية التي أحرزت زيادة من ملياري ريال للربع الأول إلى 7.2 مليار ريال للربع الثاني من هذا العام. وتعتقد «وحدة أبحاث الجزيرة» أن تحسن جني الإيرادات الضريبية يمكن أن يضع ميزانية المملكة في مصاف ميزانيات الدول المستقرة اقتصادياً ويضمن تحقيق التنويع الاقتصادي الكامل، فمع نهاية هذا العام يوجد احتمالان للإيرادات غير النفطية، إما تحقق المملكة إيرادات بنحو 189.8 مليار ريال، تحت افتراض أن الربعين سيكونان بشكل مماثل لقيمة الربع الأول والثاني، وهذا يقترب كثيراً من مستويات ميزانية العام السابق والتي بلغت إيراداتها غير النفطية حوالي 199 مليار ريال. والاحتمال الأكبر أن تصل قيمة الإيرادات غير النفطية لهذا العام حوالي 221 مليار ريال، تحت افتراض أن مستويات الربعين الثالث والرابع ستماثل مستوى إيرادات الربع الثاني، نتيجة تطبيق سياسات التوازن المالي الجديدة والتي بدأ تطبيقها بداية العام. ويزيد هذا المستوى المتوقع عن المستوى المقدر للإيرادات النفطية 212 مليار ريال بنسبة 4 %، وهذا يمثّل نجاح جديد لإدارة الميزانية. وبافتراض هذا السيناريو، ومع حدوث مصروفات حكومية بقيمة 890 مليار ريال في نهاية العام، فإن الإيرادات غير النفطية ستغطي نسبة 25 % من مجمل المصروفات الحكومية، وهذا مؤشر ارتياح بأن تستطيع الإيرادات غير النفطية وحدها تغطية ربع النفقات الحكومية ككل.