نحن هنا نعاكس طرقات بعضنا بعضا، ونهتم بأشياء مختلفة عن بعضنا.. تصنعنا الحياة كيفما حدثت لنا مكاتبها.. وتضعنا نقاطًا على جُمل مبهمة، لا تفهم إلا بعد وضعنا.. نجد أنفسنا التائهة فيمن نحب، وقتما يقيدنا الحب تتفتح مشاعرنا، وكأنها الزهر المنحني وأتاه الربيع الطلق.. وقتما نحب تخضر أرواحنا، وتزهر قواتنا، وتتغير أحاسيسنا.. نسمع أسماءنا بنبرة مختلفة، ونبوح بنصف ما نشعر به تاركين النصف الآخر يتلاشى في دواخلنا. حينما نحب تجد أننا نبكي لأسباب مضحكة عند الآخرين، وننام كذبًا أملاً في مرور الوقت الذي سيعود بهم.. حينما نحب نضحك على أشياء لا تُضحك غالبًا، تملؤنا أجراس الحياة، تطرقنا النشوة بين الحين والآخر.. نحب جميع الأغاني، وكأن القصائد تعنينا.. حينما نحب نتأنق على أذواقهم، وكأن لا أحد سينظرنا سواهم.. نقتني عطورهم، وندمن ألوانهم.. وقد نتحدث أحاديثهم, ونقتبس لكناتهم، ونبتسم وقتما نسمعها من غيرهم.. حينما نحب نرقص تحت المطر، ونتغزل بالقمر، ويكتسي الصباح معهم لون الزهر.. حينما نحب تغمر أرواحنا رياحين عطرة وتراتيل عشق منمقة، لا ترتل إلا لهم.. من نحن إلا من نحب.. يجتاحنا الحزن دون إذن منا، يشوب جوارحنا، ويبدد أحمر شفاهنا، وتتسخ وجنتينا باكتحال أعيننا.. تنعصر أنفسنا, ننزوي في زوايا معينة وكأنها خُصصت لأحزاننا.. الحزن لا يرحمنا، ولا يرحم التعب فينا.. الحزن يشكِّلنا كالفخار كيفما يرى، ووقتما يشاء.. تتغير أصواتنا، وتنساب أحاديثنا بلا قوى، وكأنها تمشي على مسامعكم ببطء.. أيعقل أن نجد أنفسنا في الحزن الذي استعاذ منه نبينا.. كيف لنا أن نكون طوعًا ونكون نحن عندما نحزن.. ما يحزننا كان شيئًا لا يستهان به في قلوبنا، ولم نستطع تجاوزه. من نحن إلا ما نحب ونحزن.. نفوسنا البسيطة نجدها بين هاتين الكلمتين، هما الشعوران الأقرب للنفس البشرية، والأجدر بالإحساس، والأحق بالوقت وبالمشاعر وبالتواجد.. وبكل ما نخوضه من تجارب.. تدونه مشاعرنا حبًّا أو حزنًا أو كليهما معًا.