(ما لم تقله ليلى) ديوان للشاعرة دلال كمال راضي. صدر عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع في سنة 1437 -2016 في مائة وأربعين صفحة ونيف. يحتوي على ثلاثين قصيدة من الشعر الموزون، جلها من شعر التفعيلة، وقليل منها من الشعر التناظري. الديوان تجربة جديدة للشاعرة، فبعد أن كتبت كثيراً من القصص ومن الخواطر أرادت أن تجرب حظها مع الشعر - ومع الشعر الموزون خاصة - ولذا لم تدَّعِ الكمال لديوانها؛ فهي تعرف أن فيه قصوراً، وترحب بمن يوجهها ويقدم لها نصحاً، وهذه مزية نادرة بين الشعراء والشاعرات. تقول في مقدمة ديوانها: «استخلصت هذه النصوص ليكون باكورة أعمالي الشعرية، ألخص فيه تجربتي المتواضعة والتي أعتقد أنها ستكون أكثر نضجاً في المستقبل كوني سأتعلم وأستفيد الكثير من خلال تناولكم لهذا الديوان تحليلاً ونقداً، وسأحرص على تتبع الآراء المختلفة وآخذها بعين الاعتبار حتى أستطيع الانتقال إلى خطوة أخرى أكثر نضجاً ورسوخاً بإذن الله». وبعد أن قرأت الديوان تبيّن لي أن في قول الشاعرة الكثير من التواضع والمزيد من المبالغة في الحذر من ألا يصل ديوانها إلى المستوى المأمول، فهي لا يخفى عليها أن ديوانها يفوق كثيراً من الدواوين التي امتلأت بها رفوف المكتبات لكنها لا تريد لنفسها أن يكون ديوانها عبئاً على مكتبة الشعر العربي، ولا تريد أن تحمل لقب (شاعرة) لمجرد التصنيف في مجتمع الأدب والثقافة. تناول الديوان موضوعات شتى تدور كلها في فلك الشعر الوجداني، كالحديث عن الشوق والشجن، والليل والسهر، والغياب والرحيل والانتظار. كما تناولت الشاعرة في أكثر من قصيدة الشكوى من الأيام وما تفاجئنا به من آلام وأحزان، كما تطرقت إلى سرعة تعاقب الأيام وكأنها حريصة على أخذنا إلى النهاية التي كلنا ننتظرها.. تقول من قصيدة بعنوان (انتظار): أفنيتُ عمراً في انتظارك قاتلي.. لا الوعد مات.. ولا الغرام.. ولا أنا أدركت زيفك.. في الليالي السابقةْ.. وتُكرر الأيام كذبتها.. ويمضي العمر عاما خلف عامْ.. أدركت هذا الآن.. لكن بعدما فات القطار!.. ومن قصيدة (بوصلة الشوق) تقول: وإن أنتَ لم تأتِ عند المساءْ.. وحل الشتاءْ.. سأعرف أنك باقٍ هناك.. جبانٌ تخاف اجتياز الدروبْ.. ولستَ تعي ما انتظار القلوبْ.. ولا تتخيلُ حر اللقاءْ.. وتقول في قصيدة بعنوان (حقيبة أسفاري): سأعدُّ حقيبة أسفاري.. أحزم أمتعتي فيها.. أحزم أسئلتي.. وألملمُ أوراق حياتي.. وأفتش عن جيبٍ فيها.. لا يكشفه العمر الآتي.. لأخبئ فيه أسراري.. أما قصيدة (الوداع) فهي حوارية جميلة بين حبيبين، أختار منها هذين المقطعين: فقلتُ: لن تغتال حبنا الظنونْ.. ما دمتَ قررتَ الرحيلْ.. وترفض البقاءْ.. فافعل كما تشاءْ.. أحبني حيث تكونْ.. فحبنا ليس له حدودْ.. لكنني أخشى فراقنا الطويلْ.. فقل متى تعودْ؟! حتى وإن قبلتُ ما تقولُ دونما اقتناعْ.. أجابني: لا أدري كم سأستمر في الغيابْ.. لكنني أعود حالما ألقى لحبنا وطنْ.. ألقى لأحلامي وطنْ.. وربما يدفعني الشوق إلى الإيابْ.. وحينها أعود عند مطلع الربيعْ.. وسوف تلقيني هنا كطائرٍ مغرد على فننْ.. ومن أجمل ما حواه الديوان قصيدة بعنوان (ميلاد القصيدة) تبدؤها متذمرة من الأيام، فتقول: إنها الأيام.. لا ترضى سكوني.. وسكوتي.. أجبرتني أكتب الآهات حرفا.. ومعاني.. مذ نما الشوك بدربي.. ونأى عني حصاني.. ثم توجه الخطاب للقلم، وتثني على دوره في رفع المعاناة على الرغم من محاولة الحزن تعكير الصفو: يا يراعي.. يا رفيق الدرب في كل الصعابْ.. كلما راكمتُ أشواقي سحابْ.. وهمى غيث الحروف.. بك تخضر السطور.. وتغطي سفح أوراقي الزهور.. غير أن الحزن في بوحي يطوفْ.. كي يواري خلف زهر العمر أشواك زماني.. وتختتم الشاعرة قصيدتها بما يوحي بأنها قد تآلفت مع الأوجاع التي تباغتها بها الأيام لأنها ليست إلا أمارات ولادة قصيدة جديدة: وعلى درب المسافات البعيدةْ.. لست أدري حال أيامي الجديدةْ.. أو متى تكبر أوجاعي الوليدةْ.. غير أني صرت أدري.. حين تجتاح كياني.. أنها أوجاع ميلاد قصيدةْ.. وتتجلّى في قصيدة (نهاية الدرب) الشكوى من تسارع الزمن، فتخاطبه طالبة منه أخذ استراحة من ركضه الدائب لأنه سيأخذنا إلى حتفنا: يا أيها الزمن المهرول نحوها.. تلك النهايات القريبةْ.. استرح.. لو لحظة.. ها قد قطعت مسافة في العمر تركض في الطريق إلى الزوالْ.. ها نحن نسعى للفناء وحتفنا أضحى قريبا.. والرجوع من المحالْ.. ثم ترجوه أن يكسر رتابة المشي قدما، فيعود إلى الوراء حيث الزمن الجميل: يا أيها الزمن المهرول نحوها.. تلك النهايات العصيبةْ.. هلا كسرت رتابة المشي الممل؟ فنعود أدراج السنين.. إلى البدايات التي كانت تُطهِّر بالبراءة.. حالنا ونفوسنا.. ها نحن ننظر للوراء.. نش تاق ذاك العمر والزمن الجميل.. فلم الرجوع إليه أصبح مستحيل؟ ثم تتعجب من هؤلاء السادرين في هذه الدنيا وكأنهم لا يدركون نهاية الطريق: كل الذين هنا بها مروا سكارى صامتين.. شربوا من الدنيا الكثير.. فنسوا النهاية والمصير.. وبرغم رحلتهم على الدرب الخطير.. ظلوا سكارى آمنين.. ظنوا بأن العمر أطول من طويل.. ونسوا بأن الموت أقرب فيه من حبل الوريد.. ولا بد من لحظات صفاء يمر بها الشاعر فيعبر فيها عن تفاؤله وأمله وسروره وانشراحه. تقول شاعرتنا من قصيدة بعنوان (أيام يرسمها الأمل): الآن ودعت الكآبةْ.. واجتزت مأساة الكتابة.. بالكتابة.. ورسمت أياما ستأتي مشرقات بالأمل.. الآن أرسمها على أفق السطور: الظل.. والأمطار.. والأشجار.. والزهرْ المطرز بالعطور.. والبسمة الجذلى على كل الثغور.. وقد استوقفني في أكثر من موضع اسم الشاعرة (دلال) مضمنا في بعض مقاطع القصيدة أو أبياتها - وهذا من حقها - وربما ساعدها على ذلك مطاوعة الاسم لموسيقى الشعر، ومطابقة معناه للغرض الذي تتناوله القصيدة. ففي مرثيتها لابنتها يسرى - وهي مفتتح ديوانها - تقول: وكيف أكون ويُسرُك غادر هذا الدلال؟! وفي قصيدة (نخيل الشموخ) تقول: وإن أنت حاصرتني بالجفاءْ سأدحر ظلمك لي بالنضالْ وحين ألوذ برب السماءْ ستسقط - أنت - وتبقى (دلالْ)!