في نهار اليوم الأول لعيد الفطر المبارك 1429ه توفي الأديب القدير عبد الله الجفري رحمه الله، وقد رثاه الشاعر الأديب الوزير غازي القصيبي بقصيدة عنوانها (آه عبد الله)، وفي فجر اليوم الخامس من رمضان الكريم 1431ه توفي د. غازي القصيبي رحمه الله.. ونحن الآن نعيش بين ذكرى الراحليْن العظيميْن غير أننا لا يمكن أن نمسّ المسميات المقدسة بأي تغيير مهما تكن أحزاننا وخسائرنا.. ونضيف إلى خصوصية التوقيت في الذاكرة بعداً آخر لكرم رمضان ولبركة العيد بالترحّم وذكر المحاسن واستذكار ولو قطرة من المنجزات.. ولأنني أقيم خارج المملكة، أجدني كلما تحدثت عن غازي القصيبي لأصدقاء من غير السعوديين، أفاجأ أكثر من مفاجأتهم بكلامي حين أذكر منجزاته الوطنية أثناء عمله وزيراً للصناعة والكهرباء، ثم للصحة، ثم للمياه، وأخيراً للعمل.. رحمه الله.. أنّ الكلّ خارج المملكة يعرفُ غازي القصيبي شاعراً أديباً روائياً من الطراز الأول، وبعضهم فقط يعرف أنه كان سفيراً للسعودية في لندن – وما أكثر السفراء الذين يمارسون الكتابة في أوقات فراغهم الطويلة! – فكيف لهذا الرجل (الاستثناء) أن يكون قد أنجز كل تلك الأعمال الوظيفية من أجل وطنه ومواطنيه في الوقت الذي كان حضوره على المستوى العربي شعرياً وأدبياً يفوق كل حضور لغيره من المتفرّغين للكتابة – أمثالي! – وكتبه موجودة دائماً في قوائم أكثر الكتب تأثيراً لا مبيعاً وحسب؟! طبعاً لن أضيف شيئاً إذا أردتُ الحديث عن كتبه الأدبية الثقافية والشعرية، فالناس تعرفها في كل مكان، وتكتب عنها باستمرار كلما تعاقبت الأجيال، فقط أردتُ هنا أن أشير إلى تلك المفاجأة بالنسبة لمن تسوّل له رؤاه أن منصب (معالي الوزير) قد أضاف شيئاً إلى (الاستثناء) فالواضح عندي أن العكس هو الصحيح، وأن الترحّم على هذا الرجل واجبٌ أدبيٌّ عربياً بقدر ما هو واجبٌ وطنيّ محلياً.. رحمه الله. المفاجأة الأخرى، وتتخذ طابع الحسرة نوعاً ما، حين أذكر وأتحدث عن الأديب عبد الله الجفري، فأيُّ غيابٍ مُجحفٍ هذا الذي لا يتناسب أبداً مع ذلك الحضور البهيّ الذي كان يجلله لأكثر من نصف قرن وهو يكتب زاوية يومية تصل – أو يُفترض أنها كانت تصل – إلى كل عربيّ يطالع الصحف العربية، بخاصة تلك (الدولية) منها؟! عبد الله الجفري، رحمه الله، لم يكن كاتباً صحفياً كما يصفه من لا يعرفه تماماً.. فقد كان صاحب مدرسة أدبية إنسانية في الصحافة العربية، وكانت مقالته اليومية لا تواكب مجريات الكون فحسب بل تضيف نقاطاً إلى سطور كثيرة من حوار العقل والقلب، وتحدد ظلالاً لأشكال كثيرة من الرؤى والأحاسيس.. ولأنه فنان مبدع، وإن لم يكن شاعراً، فقد كان يكرّم الشعر بتتويج معظم مقالاته به، حتى أن كثيراً من الشعراء – وأحدهم أنا – كانت مقاطع من قصائدهم تصل محمولة بمقالة الجفري إلى بيوت كثيرة كانت تقتني الصحيفة من أجل قراءة مقالته، وقد ذكرتُ في مقالة قبل رحيله بسنوات أن والدي رحمه الله كنت أراه في طفولتي يحرص على اقتناء الصحيفة التي يكتب فيها الجفري من أجل قراءة مقالته.. ويتحوّل مزاجه إلى اقتناء الصحيفة الأخرى حينما تتحوّل مقالة الجفري إليها! آه عبد الله.. قصيدة القصيبي في رثاء الجفري - رحمهما الله - هي أفضل ما يمكن أن أختم مقالتي هذه ببيتين منها: (آآآه! عبد الله! ما أتعَسَنا من دفينٍ نتمشّى لدفينْ .. .. زَمَني بالموت يسخو ما لَهُ بمواعيدِ الأحباءِ ضنينْ؟!) وقد التحق الحبيبان بأحباء كثيرين سبقونا إلى هناك، نسأل الله أن نلحق بهم على خير وحسن ختام.