الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. كثرت رسائل عبر الوتس أب وفي حسابات تويتر تصف ما جرى من دولتنا المملكة العربية السعودية ومن معها ضدّ دولة قطر بالخلاف السياسي، وتأمر بالصمت والكفّ، وتجتهد في بثّ أدعية جاء فيها (اللهم إن كان هذا الأمر مؤامرة فأبطله). ولمّا وصلتني تلكم الرسائل وتكاثرت؛ شاركت بالرسالة التالية: (ظهرت رسائل تنادي بالصمت، ورسائل تصف الخلاف بأنه سياسي، ورسائل تصف الأمر بالمؤامرة، وكل هذه الرسائل تخدير للمسلم بحيث يقف على الحياد، وهذا لا يتوافق مع: - البيان الصادر من دولتنا في خصوص جرائم قطر. - أن قطر تتحالف مع إيران عدوّ الإسلام والمسلمين، وتُعلن ذلك، وتقف معها ضدّ دولتنا وفي المحافل الدوليّة. - أنّ قطر تتحالف وتؤازر وتأوي من يكفّرنا ويحاربنا باسم الإسلام أعني داعش والنّصرة والإخوان. - أنّ قطر غدرت بالتحالف الإسلامي في اليمن حيث دعمت الحوثيّين. المسلم يحذر من طابور التخذيل، ويتميّز بإعلان موقفه ، والبراءة من الأعداء ومن مع الأعداء، ويقف مع الإمام سلمان ودول التحالف الإسلامي الذي ينشد أمننا وأمن المسلمين ويرفض الإرهاب وبثّ الفتن والاضطرابات)أه. وانتشرت هذه الرسالة، وكثر السؤال عنها والتثبّت منها، فأحببت أن أزيد الرسالة تأكيداً وأقول: في سنة 1411ه 1991م حصل اعتداء حاكم العراق على الكويت، ودخل جنوده حدود بلادنا المملكة العربية السعودية، واستولوا على الخفجي، فاصطفّ جنودنا للحرب والدفاع عن النفس والحُرمة، واجتهد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- اجتهاداً بالغاً في هذا الشّأن، وبذل ما يستطيع؛ فظهرت أصوات تقول للمسلمين: يجب على المسلم أن لا يدخل في الفتن ويكفّ عنها، ولا يكون ضدّ حاكم العراق وجنوده، فألقى سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- كلمة، وقال فيها: (ليست هذه الفتنة ممّا يُعتزل فيها؛ لأنّ الحقّ فيها واضح، والقاعدة أنّ الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي المُشتبهة التي لا يتّضح فيها الحقّ من الباطل) أه، وقال: (ما ظهر فيه الحقّ، وعُرف فيه المُحقّ من المُبطل والظالم من المظلوم فالواجب أن يُنصر المظلوم ويُردع الظالم ويُردع الباغي عن بغيه ويُنصر المبغي عليه ويُجاهد الكافر المُعتدي، ويُنصر المظلوم المُعتدى عليه، وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه وتعالى: «انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون»)أه (مجموع فتاوى ومقالات متنوّعة) (18/ 213-214). وذكر في كلمته أنّ النّاس حاولوا مع حاكم العراق ستّة أشهر، وطلبوا منه أن يُراجع نفسه ويخرج من الكويت، ويرجع عن ظلمه وبغيه؛ فأبى، فلم يبق إلا الحرب، وقال عن الآمرين بالسكوت في تلكم المحنة: (ربما كان بعضهم مأجوراً من حاكم العراق، فتكلّم بالباطل والحقد؛ لأنّه شريك له في الظّلم، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون جهلاً منه بالحقيقة والتبست عليه الأمور)أه (مجموع فتاوى ومقالات متنوّعة) (18/ 227-228). وفي سنة 1422ه 2011م ظهر ما يُسمّى تنظيم القاعدة في بلادنا، ويعتقد هذا التنظيم كفر إمامنا ورجال الأمن ويستحلّ دماءهم، وعمل في جمع الأسلحة والمتفجّرات استعداداً لحربنا والإفساد في بلادنا، وفجّر وأحرق وقتل المعاهدين ورجال الأمن وغيرهم، وأعلنت أجهزة الدولة قائمةً بأسماء مطلوبين من أعضاء التنظيم، وحثّت الرعيّة على التعاون في ردعهم بالتبليغ عنهم؛ فظهرت أصواتٌ تأمر بالكفّ عن الفتن، وتنهى عن الدخول فيها؛ فكتبت رسالةً بعنوان (حكم السكوت في الفتنة)، وممّا قلته: - الساكت في هذه الفتنة حكمَ على نفسه بأنّه اشتبه عليه أمر من قتل الأطفال وغيرهم في تفجيرات المحيّا في مدينة الرياض وأمرُ من قتل وفجّر في مبنى الأمن العام في مدينة الرياض أيضاً، وأمرُ من قتل وفجّر في مدينة الخبر. - إنّ الساكت في هذه الفتنة لأجل اشتباه الحقّ عليه لا يجوز له أن يأمر غيره بالسكوت وترك النهي عن منكر أولئك المجرمين، فإن أمر غيره بالسكوت فهو مُشارك في الفتنة، وهو في الحقيقة لم ينتهج السكوت لأجل الاشتباه وإنّما استخدم مسألة السكوت لتخذيل صفّ أحد الفريقين الطّرفين وإضعافه. - استغربت من كون الأصوات التي تُنادي بالكفّ عن تلكم الفتنة هي الأصوات التي تُشارك في فتنة النّاس وتأليب الرّأي العام، وتقف في وجه قرارات الدولة وتوجّهاتها في سياساتها الدّاخليّة والخارجيّة، وتستنكف عن متابعة هدي السلف والعلماء الكبار في الإسرار بنصيحة وليّ الأمر عندما يظهر ما يوجب النصيحة. والتاريخ يُعيد نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة. (يُنظر رسالة حكم السكوت في الفتنة ص30، 40-41). اللهم أيّد إمامنا سلمان بن عبدالعزيز بتأييدك وانصره على من اعتدى وبغى، واجعلنا معه متعاونين على حرب داعش، وصدّ عداء الحوثيين والإيرانيين ومن تواطأ معهم. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. ** **