رأينا ما انتشر مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما جرى من المملكة العربية السعودية، ومن معها من دول الجوار، ضدّ دولة قطر من إجراءات المقاطعة بأسباب الخلاف السياسي. تآمر هؤلاء بالصمت والكفّ عن الكلام فيما حدث في الأزمة القطرية غير سابقة لغير قطر، وأنها بزعمهم: فتنة يجيب إعتزالها، بينما كانوا يعتبرون سابقاً العلماء الذين أفتوا بأن مايحدث في سوريا فتنة، بأنهم في الفتنة سقطوا، وذلك لكي يتخدر المواطنون في دول المقاطعة لقطر، ليقفوا على الحياد، بعيداً عن الوقوف مع الوطن، ولا يعلم أحد لأجل مصلحة من كل هذا ؟! حقيقة أننا كمواطنين لم نر المواقف المشرفة من هؤلاء مع وطنهم في يوم من الأيام، وخاصة بعد البيان الصادر لما فعلته وقامت به وتسعى إليه حكومة دولة قطر. لماذا وقفوا هؤلاء موقف المحايد في هذا الوقت الذي اتضح فيه المكنون؟ والجميع يعلم أن قطر تتحالف مع إيران عدوّ الإسلام والمسلمين، وتُعلن ذلك، وتقف معها ضدّ دولتنا وفي المحافل الدوليّة وتصرح بها في الخطابات والخطب الرسمية. وكذلك تتحالف قطر مع من يكفّرنا ويحاربنا باسم الإسلام من جماعات إرهابية كالإخوان والقاعدة وداعش والنّصرة وحزب الشيطان. وما قامت به قطر من خيانة وغدر بالتحالف الإسلامي في اليمن، من دعم للحوثيّين ومما تسبب في مقتل كثير من جنود التحالف، خيانة وغدراً. هذه المواقف منهم في الخليج، توجب علينا الحذر من طابور التخذيل، والوقوف مع دولتنا ووطننا. وما أشبه الليلة بالبارحة ففي عام 1411ه، حصل اعتداء طاغية العراق صدام حسين على دولة الكويت، فاصطفّ جنودنا ورجال أمننا البواسل للحرب والدفاع عن النفس والحُرمة والشرعية، واجتهد الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- اجتهاداً بالغاً في هذا الشّأن، وبذل ما يستطيع لحماية الوطن وحماية الجارة الكويت من الاعتداء الغاشم؛ فظهرت هذه الأصوات التي صمتت اليوم، تقول للناس: يجب على المسلم أن لا يدخل في الفتن ويكفّ عنها، ولا يكون ضدّ حاكم العراق المسلم وجنوده، فألقى سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كلمة، وقال فيها: (ليست هذه الفتنة ممّا يُعتزل فيها؛ لأنّ الحقّ فيها واضح، والقاعدة أنّ الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي المُشتبهة التي لا يتّضح فيها الحقّ من الباطل) أه، وقال: (ما ظهر فيه الحقّ، وعُرف فيه المُحقّ من المُبطل والظالم من المظلوم فالواجب أن يُنصر المظلوم ويُردع الظالم ويُردع الباغي عن بغيه ويُنصر المبغي عليه ويُجاهد الكافر المُعتدي، ويُنصر المظلوم المُعتدى عليه)أه (مجموع فتاوى ومقالات متنوّعة) (18/ 213-214). وقال إنّ النّاس حاولوا مع حاكم العراق ستّة أشهر، وطلبوا منه أن يُراجع نفسه ويخرج من الكويت، ويرجع عن ظلمه وبغيه؛ فأبى، فلم يبق إلا الحرب، وقال عن الآمرين بالسكوت في تلكم المحنة: (ربما كان بعضهم مأجوراً من حاكم العراق، فتكلّم بالباطل والحقد؛ لأنّه شريك له في الظّلم، وبعضهم جهل الأمر وجهل الحقيقة وتكلم بما تكلم به أولئك الظالمون جهلاً منه بالحقيقة والتبست عليه الأمور)أه (مجموع فتاوى ومقالات متنوّعة) (18/ 227-228). وفي عام 1422ه ظهر ما يُسمّى تنظيم القاعدة في بلادنا، ويعتقد هذا التنظيم كفر الحكام ورجال الأمن ويستحلّ دماءهم، وعمل في جمع الأسلحة والمتفجّرات استعداداً لحرب بلادنا والإفساد فيها ، وفجّر وأحرق وقتل المعاهدين ورجال الأمن وغيرهم، وأعلنت أجهزة الدولة قائمةً بأسماء المطلوبين من أعضاء التنظيم، وحثّت الرعيّة على التعاون في ردعهم بالتبليغ عنهم؛ فظهرت هذه الأصواتٌ تأمر الناس والمجتمع بالكفّ عن الفتن، وتنهى عن الدخول فيها. وفي عام 1435ه صنفت المملكة العربية السعودية وأعلنت قائمة الجماعات الإرهابية، التي تضم داعش والنصرة والإخوان المسلمين وحزب الله السعودي والحوثيين، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتنظيم القاعدة في اليمن، وتنظيم القاعدة في العراق؛ فظهرت هذه الأصواتٌ تأمر الناس بالكفّ عن الفتن، وتنهى عن الدخول فيها حتى لا ينفضح حزبهم ولا ينضر تنظيمهم. وهكذا هم الحزبيون، يخرجون لنا كل ماجاءت فتنة، وكان وطننا طرف فيها، يخرجون للعامة بالنداء للصمت عن الفتن، لأجل اشتباه الحقّ فيها، وهو في الحقيقة لم ينتهج الصمت لأجل الاشتباه، بل استخدم مسألة السكوت لتخذيل صفّ أحد الفريقين وإضعافه. وهنا أتسأل عن هذه الأصوات التي تُنادي بالكفّ عن تلكم الفتن، والتي هي نفس الأصوات التي تُشارك في تأليب الرّأي العام، وتقف في وجه قرارات الدولة وتوجّهاتها في سياساتها الدّاخليّة والخارجيّة، وتقوم بتأليب الناس والمجتمع على ولاة الأمر وعلمائنا الربانيين . أستغرب من هؤلاء في دفاعهم عن زعيم تركيا وقت ماحاصل من انقلب، إذ رأيناهم في وسائل التواصل الاجتماعي يدافعون ويقولون لايجوز الخروج عليه ويدعون له .. أين أنتم يا أهل الفتن من حكامهم والدعاء لهم ووطنكم .. ولكنها الحزبية والجماعة الإرهابية من أدت إلى ذلك . حمود بن فلاح العتيبي عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية hamoudAlotabi@