قال الكاتب الأمريكي مارك توين: هناك 3 أنواع من الأكاذيب: «الكذبة، والكذبة العظيمة، والإحصائية». عبارة مشهورة، يذمّ فيها توين الإحصائيات لأنها في كثير من الأحيان مضللة جداً، لا تحكي إلا جزءاً من الحقيقة، وتجد الإحصائيات في كل مكان، مثلاً إحصائية عن نسبة الناس الذين يؤيدون قضية سياسية أو فريق كرة معين، ولكن حتى لو كانت فعلاً قائمة على أسئلة لأناس حقيقيين فهي غالباً لا يُعتد بها. لماذا؟ لنرَ التالي للكاتب دانيل كانمان: في دراسة لانتشار السرطان أمريكا، وجدت إحصائية على أكثر من 3000 مقاطعة أمريكية نمطاً مدهشاً: المقاطعات التي كان فيها سرطان الكلية أقل من غيرها اتّصفت أنها: ريفية، قليلة السكان، وجدت في ولايات جمهورية في مناطق الجنوب والغرب. ما رأيك؟ لعلك فسّرت هذا بأن ركزت على كون تلك المناطق ريفية، ففعلاً يمكن أن يقل السرطان هناك بسبب الحياة الريفية: هواء أنظف، ماء غير ملوث، طعام طازج لا إضافات فيه. الآن تأمل المقاطعات التي وجدوا فيها أعلى حالات السرطان انتشاراً، فمن صفاتها أنها: ريفية، قليلة السكان، وجدت في ولايات جمهورية في مناطق الجنوب والغرب. غريب! نفس الصفات! لعل هذا بسبب فقر الريف: لا وصول للرعاية الصحية الجيدة، غذاء مليء بالدهون، الكثير من الكحول، الكثير من التدخين. الحقيقة هي: المسألة ليست عن علم إحصائيات الأمراض وإنما العلاقة بين العقل والإحصائيات. العقل يربط ويستنتج حتى لو لم يكن صحيحاً، أهم شيء أن يكون العالم متسقاً ومنطقياً، هذا ما يبحث عنه عقلك، لأن العقل يعاني إذا واجه العشوائية، فيصر على السببية وأن هناك سبب لكل شيء. هذا يسمى قانون الأرقام الصغيرة، فالمشكلة في النهاية كانت أن العينة (أهل الريف) صغيرة ولا تعطي فكرة صحيحة من ناحية إحصائية. العينات الصغيرة لا يمكن أن يعتد بها في الإحصائيات وإنما العينات الكبيرة التي تشمل أعداداً واسعة من الناس هي الأصدق والأصح. إذا رأيتَ إحصائيات صغيرة ومحدودة ومع ذلك تُنشَر في الإعلام على أنها تحقيقات صحفية أو حقائق تستحق الاهتمام فضع تحتها خطوطاً حمراء! علمياً فالمسألة ليست بهذه السهولة، وعقلك يزيد الطين بلّة أن يكون متعطشاً للتصديق لكي يجعل العالم أكثر منطقية.