ما الذي تتوقع أن يفعله صديق، كسر كل القوالب والأُطر، وجاءك عبر فضاء لا متناهٍ، سابحًا في رؤى لا تدور إلا في ملكوت الحس، وبخط تأملي فلسفي، يتسع فيك دوائر دوائر، وفي مشهد يشبه الأساطير، يلامس فيك الزوايا الأكثر حساسية، وبنقاء فريد، يضخ الحياة في عوالمك القصية. وتمر الأيام، وتتعاقب الأحداث، وتكبران، فيما الحب بينكما لا يزال طفلاً ينبض في العمق، ودون ضوضاء أو جلبة، محافظًا على براءته، الحصن الأخير الذي يلجأ إليه (الإنسان) فيكما كلما أقضه تعب الحياة، وعصفت فيه برياحها وأمطارها، فلا يكتفي بتجميلها وتنميقها، وإنما يكشف لك عن ذاتك وبكامل إمكاناتها. زهرة ضوء، تبسط يدها؛ لتنتشلك من الجمود، وتلقي بك في عالم دهشة أبدية.. كل ذلك يحدث وأصداء اللقاء (الفني) الأول بينكما لا تزال تعبق في سماء (الشماس) الحي الذي عشتما فيه طفولتكما وشطرًا من أعماركما، والذي تريان فيه الدنيا بعين مبدع وأحاسيس فنان وروح عاشق متيم، لا يتوقف عن إعطاء الهبات. هذا الكلام ليس مبالغة ولا خرافة؛ فما يلزمك فيه لكي تبدع سوى الإنصات لنبضه وحسب، وستجد أن رؤاك بدأت تنضج شيئًا فشيئًا، وأحاسيسك هي الأخرى بدأت تتقاطر من بين أصابعك، غضة طرية. كم كنا نردد هذا الكلام أنا وصديقي الناقد (سليمان الفايز) بشيء من الغبطة، وبكثير من الزهو، بأننا من أبناء هذا الحي الغارق في البساطة والسمو, والمتجانس حد الذوبان، ناسًا وثقافة ومكونات. يشع ويزدحم بداخلي الآن الكثير من أوراق كتاب، هو قصيدة شعر، متجددة، لا تنفك تعزف إيقاعها الجميل كلما التقيت هذا الرجل، أو مررت بذلك الحي. (سليمان الفايز) حالة ممزوجة بسحر وعمق وبساطة تفاصيل الشماس، يأخذك برفق ودهشة؛ فيغمسك غمسة واحدة في أتون كله حكمة وشعر وإغواء.. فتشعر وكأن أنهار حب خفية بدأت تتدافع في داخلك، وبأنك تملك كل شيء، وتستطيع حيازة كل شيء، نتيجة لتحولك إلى إنسان آخر جديد، تغمره الدهشة. ببساطة متناهية: سليمان الفايز تجربة وعي غير عادية بالنسبة إليّ. إنه صديق، ولكن بطريقة مختلفة، تجلس معه فتشعر بأن الأبعاد بينكما أخذت تتلاشى تدريجيًّا، وبأنك تقف في منطقة حرة، ورغم ذلك أو بسببه فأفكاره تتسلل إليك فتغويك فتنجذب إليها طواعية، كشخصية تبهرك وتهزك بحرارة واقتدار وتفوق.. قادر على الاحتفاظ بالوهج الذي لا يخبو أو يموت. ذلك هو الفايز. أما أنا فسأكتفي بالفرح والتغني والرقص، عبر تجسيد يجاهد محاولاً أن يصور بعض قيمته اللائقة به: (سليمان)