هنا دراسة مشتركة للبروفيسور يورام ميتال والباحث موشيه ألبو نشرت عام 2014، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بن غوريون في النقب. وستشكل هذه الدراسة أحد فصول كتاب مترجم بعنوان «الأزهر والسياسة» (تحت الإعداد) أخطط لصدوره في عام 2018 بحول الله: ملخص: تشكك هذه الدراسة في صحة الفكرة الشائعة والمنتشرة على نطاق واسع بأن المؤسسة الدينية في مصر المعاصرة خاضعة للدولة. ونتجنب هنا المنهج التبسيطي الثنائي للتفاعلات الظاهرية بين القيادة السياسية والدينية، ونزعم بأنه تحت قيادة الشيخ عبد الحليم محمود حافظ الأزهر على برنامج مستقل يختلف عن برنامج النظام في عدد لا بأس به من القضايا العامة والسياسية. وعبر تحليل دقيق لعدد من أكبر الخلافات بين الشيخ محمود وبين النخبة الحاكمة، نأمل أن نسلط الضوء على الديناميات المعقدة التي حَدَّت من قدرة النظام على إجبار المؤسسة الدينية على اتباع «سياسة الدولة». وبالرغم من أن الأزهر عزّز في الواقع قوة النظام الحاكم ومنح الشرعية لسياسته العامة، فإنه تحدّى النظام لاحقاً في عدد من القضايا المهمة؛ مثل قانون الأحوال الشخصية، وبيع الخمور، وإدماج القيم الإسلامية في مناهج التعليم. انتهى الملخص. وبصفته عالما وفقيها إسلاميا متفانيا ومتمرسا، كان عبد الحليم محمود (1910-1978) ملماً بالدور الذي ينبغي أن يقوم به الإسلام في مصر الحديثة. ومثل أسلافه في منصب شيخ الأزهر المؤثر، كان محمود يدرك جيدا الضغوط الهائلة التي تتعرض لها مؤسسة الأزهر من النخبة السياسية، خاصة عندما يكون الأمر مرتبطاً بقضايا حساسة تتعلق بالدين والدولة. ولذلك، تُقدم فترة رئاسته لمؤسسة الأزهر، والتي استمرت لمدة خمس سنوات (1973-1978)، نظرة فريدة على التوترات العميقة الجذور بين التشريع القانوني المدني وبين التشريع الإسلامي داخل المؤسسة المصرية الحاكمة. حارس الدين في مواجهة «سياسة الانفتاح»!! وفي منصبه في مشيخة الأزهر، اعتبر محمود نفسه كحارس للدين في منعطف حاسم في تاريخ مصر الحديثة، المتمثل في تدشين الرئيس أنور السادات لما سمي ب «سياسة الانفتاح» . وأدى وصول السادات إلى السلطة إلى حدوث تغييرات بعيدة المدى تحدت قيادة مصر وشعبها. فخلال فترة حكمه، شنّت مصر حرب أكتوبر ضد إسرائيل في عام 1973، ودشنت إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وأُجبرت على أن تتعامل مع صعود الإسلاموية (الإسلام السياسي) والجماعات الجهادية العنيفة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد هيمن على السنوات الأخيرة من حياة السادات اتفاق السلام التاريخي مع إسرائيل (مارس 1979). (1) وبناء على هذه الخلفية، لم يركز الشيخ محمود فقط على حماية استقلال الأزهر؛ ولكن قام أيضاً بصد القوانين التي تتعارض مع تفسيره المحافظ للشريعة الإسلامية. تصنف العديد من الدراسات المنجزة عن التفاعل بين القيادة السياسية المصرية وبين المؤسسة الدينية هذه العلاقة بأنها تمثل تبعية وتعاون. وبعبارة أخرى، اعترف الأزهر بسلطة الحكومة وعزّز شرعيتها عبر منح نفوذ مؤسسة الأزهر، باعتبارها أبرز سلطة دينية في العالم الإسلامي السني، إلى النخبة السياسية. ولكن، من جهته، لم يعتبر النظام المؤسسة الدينية كمصدر قوة في حد ذاتها، بل بدلا من ذلك اعتبر رجال الدين الأزهريين كجهاز فعال لتفنيد الانتقادات الصادرة ضد النظام من خصومه الاجتماعيين والسياسيين. (2) كما طعنت جماعة الإخوان والجماعات الجهادية في نزاهة الأزهر، ووصفت كبار علماء المؤسسة الدينية ب «علماء السلطان» وبأنهم مجرد «ذنب» يتبع القيادة السياسية، وزعمت تلك الجماعات أيضا أن الوظيفة الأساسية للمؤسسة الدينية هي توفير شرعية دينية للنظام وسياساته عبر إصدار فتاوى تصادق على تلك السياسات. فعلى سبيل المثال، وصف العالم الإخواني البارز يوسف القرضاوي علماء الأزهر بأنهم متاجرون بالإسلام، أي «سماسرة» يتربحون من فتاواهم وبالتالي يخونون دورهم التاريخي كحراس للشريعة الإسلامية. (3) وتشكك هذه الدراسة في الفكرة المنتشرة على نطاق واسع بأن المؤسسة الدينية الإسلامية في مصر المعاصرة خاضعة وتابعة للنخبة السياسية الحاكمة. ومثل مليكة الزغل (1999)، نتجنب، هنا، المنهج التبسيطي الثنائي للتفاعلات الظاهرية بين القيادتين السياسية والدينية. (4) ونزعم بأن الأزهر حافظ، تحت قيادة الشيخ عبد الحليم محمود، على توجه مستقل يختلف عن توجهات النظام في عدد لا بأس به من القضايا العامة والسياسية. وعبر تحليل دقيق لعدد من أكبر الخلافات بين الشيخ محمود وبين النخبة الحاكمة، نأمل أن نسلط الضوء على الديناميات المعقدة التي قيّدت قدرة النظام على إجبار المؤسسة الدينية على اتباع خط «الحزب الحاكم». وبالرغم من أن الأزهر في الواقع عزز قوة النظام الحاكم ومنح سياساته شرعية شاملة، فإنه تحدّى لاحقا النظام في عدد من القضايا المهمة؛ مثل قانون الأحوال الشخصية، وبيع الخمور، وإدماج القيم الإسلامية في مناهج التعليم. الحياة والمسار الوظيفي ورؤية العَالَم ولد عبد الحليم محمود عام 1910 في قرية «أبو أحمد»، في محافظة «الشرقية». وكان والده من خريجي نظام الأزهر التعليمي، ولذلك دفع ابنه إلى أن يسير على خطاه. وبعد إنهاء دراسته في الأزهر (1932)، سافر محمود إلى باريس للحصول على الدكتوراه من جامعة السوربون. وأشرف على أطروحته عن حياة وأعمال اللاهوتي الصوفي الحارث بن أسد بن عبد الله المحاسبي البصري (ت. 243/857) المستشرق الفرنسي الشهير لويس ماسينيون (1883-1962). ورجع محمود، فور حصوله على الدكتوراه (1940)، إلى مصر وبدأ مسيرته الأكاديمية في الأزهر أستاذا في كلية اللغة العربية، وبعدها في كلية أصول الدين. كما انضم محمود إلى الطريقة الشاذلية الصوفية، وشارك في اجتماعاتها ومؤتمراتها، وطقوسها. ونظرا لكونها بنيت على مبادئ التعاون والمساواة، كانت هذه الفرقة الاجتماعية-الدينية ملتزمة بقيم المسؤولية المتبادلة التي يفتقر إليها المجتمع الحضري. (5) ثم أصبح محمود عميداً للكلية في عام 1964 وحصل على منصب نائب الإمام الأكبر وأمينا لمكتب الوقف بعد عقد. ووصفت دراسة حديثة محمودا باعتباره عالما إسلاميا بارزا ومؤثرا نجح في استخدام وسائل الإعلام الحديثة استخداما مكثفا لنشر أفكاره حول قضايا متعددة. يتبع ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء [email protected]