الحُزن يأتي (فجأة)، ولا يحتاج إلى تدريب وتنظيم واستعداد لاستقباله، فالمُصيبة عندما تقع على الإنسان (كفيلة) بما تجُرّه بعدها، إلا أنه يُقال و- العُهدة على الرواي - أن هناك مواقع بدأت الإعلان عن تنظيم مراسم (عزاء VIP) بمُقابل مادي، وما على المُصابين بالفقد الحزين إلا التعاقد الفوري مع المُنظمين ليقوموا بدورهم بتنظيم مناسبة حزينة تليق (بالمفقود) وتتناسب مع مكانة أهله وذويه؟!. (موضة العزاء) الجديدة تُنذر بأننا أمام (هياط) من نوع آخر يجب الانتباه والتصدِّي له، المواجهة والرَّفض وحدهما (كفيلان) بمنع انتشار هذه الظاهرة، التي هي امتداد لفكرة استحدثتها نساء هذا العصر (المُتأخرات) ليظهرنَّ في المناسبات الحزينة كالعزاء والمرض ونحوهما (بِطَلَّة) مُناسبة، لا تختلف كثيراً عن نجمات السينما والمسلسلات والأفلام اللاتي يحافظن على (مكياجهن) حتى عند الاستيقاظ من النوم. السكوت عن المُبالغات والبذخ في مناسباتنا الحزينة هو ما أوصلنا إلى مثل هذه العلاقات الاجتماعية والمظاهر المُشَوهة، حتى أننا لم نعد نفرق بين ما يُقدم في (أفراحنا وأتراحنا) من ولائم تُثقل كاهل (أهل المُتوفى) ولو شاركهم آخرين، ففي أول مُناسبة حزينة سيكون عليهم رد (الجميل والوقفة) مع أهل المُصاب الجديد. هذا التصنع والتكلف غريب على مُجتمعنا، فالموت له (حُرمة وهيبة) لا يجب انتقاصها أو رسم صور المواساة فيها، والعزاء ليس مكاناً للاستعراض والتباهي ولا يتناسب مع عاداتنا المُستمَدة من ديننا الحنيف، القضية تجاوزت مُجرد تأمين (كراسي وفرش) و(صبَّابين) لتقديم الضيافة التقليدية للمُعزين مع انشغال أهل المتوفى، إلى مُنظمين وبرتوكولات تشمل المُستقبلين بهدف عكس مكانة أهل المُتوفى الاجتماعية.. إلخ!. المسألة لن تتوقف عند هذا الحد إن لم يرفضها المُجتمع، فربما نجد أنفسنا أمام مُشاركين (بالعويل والبكاء) المُصطنع، إيذاناً بدخولنا في محاذير شرعية، تُفقدنا الشعور الحقيقي بالفقد، وتُخالف مُصيبة العزاء والرضاء والصبر..! وعلى دروب الخير نلتقي.