يوافق هذا الأسبوع مرور ستين عاماً على قيام العلاقات السعودية - المغربية، وتعتبر العلاقات المغربية السعودية نموذجًا للعلاقات العربية- العربية، حيث نجد أن هناك توافقا بين عاصمتي البلدين الرياضوالرباط في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، العربية والإسلامية. لقد كانت المملكة العربية السعودية من الدول الأوائل التي دعمت فكرة إنشاء جامعة الدول العربية، وكذلك كانت المملكة المغربية قبل انضمامها إلى الجامعة العربية عام 1958م تتفاعل مع القضايا العربية ففي عام 1956م، تجاوبت العاصمة الرباط مع دعوة الملك سعود لتأييد مصر، إثر تعرضها للعدوان الثلاثي على مصر. وفي 17 فبراير 1957م قام الملك سعود بن عبدالعزيز بزيارة رسمية للرباط بدعوة من السلطان محمد الخامس، كما زار الملك سعود الدار البيضاء وأجرى مباحثات حضرها ولي العهد المغربي الأمير الحسن ثم غادر الرباط في 21 فبراير 1957م. وفي 25 ديسمبر 1969م، احتضنت الرباط أول مؤتمر للقمة الإسلامية وتم الإعلان فيه عن إنشاء «منظمة المؤتمر الإسلامي». كما كانت القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التي ناقشها المؤتمر خاصة أنه عقد بعد جريمة إحراق المسجد الأقصى. وفي عام 1975م، وخلال لقاء القمة السادسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بمدينة جدة تم إنشاء لجنة القدس، وتم إسناد رئاستها للمملكة المغربية وذلك بدعم العديد من الدول الإسلامية من بينها المملكة العربية السعودية. وفي نوفمبر 1975 استقبل الملك الحسن الثاني -رحمه الله- بمراكش سفير المملكة العربية السعودية في المغرب السيد فخري شيخ الأرض، بحضور أعضاء الحكومة المغربية والوفد السعودي المشارك بالمسيرة الخضراء الذي كان برئاسة فضيلة الشيخ عبدالله العتيمي وخاطبهم بقوله: «شعبنا الذي يكن للمملكة العربية السعودية كل إجلال وإكبار سوف يكتب مشاركتكم في هذه المسيرة، لا أقول بمداد من ذهب، بل سوف ينقشها في قلبه وفي أجساده وفي شرايينه، وسوف يبقى يتوارثها الأجيال عن الأجيال»، «العرب الذين حباهم الله بأن يكونوا خدام وحراس الحرمين، يحرسون كذلك ويخدمون كذلك القضايا العربية ولو كانت في أقصى المغرب»، وفي 19 مايو عام 1979م، قام الملك خالد بن عبدالعزيز بزيارة للرباط، تم خلالها إحداث لجنة سعودية مغربية دائمة على المستوى الوزاري برئاسة وزيري خارجية البلدين. كما كان لاندلاع الحرب الإيرانية العراقية في 22 سبتمبر سنة 1980م، أعباء سياسية وإستراتيجية جديدة على السعودية ودل الخليج العربية مما نتج عنه إنشاء نظام إقليمي عربي في 22 مايو سنة 1981م، أطلق عليه اسم «مجلس التعاون الخليجي». وفي 2 أغسطس سنة 1990م، قام صدام حسين بغزو الكويت ليشكل بذلك أول وأكبر تهديد للأمن القومي العربي. حينها قادت المملكة المغربية وساطة لتجنيب المشرق العربي حربًا جديدة. كما يسجل التاريخ بأن المملكة المغربية كانت أول بلد يعلن رفض احتلال العراق للكويت، وطالب العراق بانسحاب قواته وأعلن ذلك الملك الحسن الثاني -رحمه الله- مباشرة في خطاب متلفز موجه لصدام حسين. وبعد أن ترجحت كفة الحرب، أرسل المغرب 1200 جندي للمملكة العربية السعودية، وكذلك 500 جندي إلى الإمارات العربية المتحدة. وعلى العموم، فإن القضايا الدولية كثيرة ومتعددة، دعت الضرورة في شأنها إلى التعاون والتنسيق بين كل من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية على أعلى المستويات برزت منها قضايا متعلقة بالغزو العراقي للكويت والأزمة الصومالية، وملف الصراع العربي الإسرائيلي وحرب البوسنة والهرسك. وفي قمة بيروت المنعقدة في 27 مارس سنة 2002م، طرحت السعودية المبادرة العربية للسلام بغية حل القضية الفلسطينية وكان المغرب من الداعمين لهذه المبادرة. وتطورت العلاقات السعودية- المغربية، خصوصًا بعد مبادرة دعوة المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية إلى الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي سنة 2011م، انتهت بصيغة «الشراكة الإستراتيجية الخليجية المغربية». وهي الشراكة التي جعلت المملكة المغربية أكثر اندماجًا مع الاستحقاقات الإستراتيجية والاقتصادية الخليجية، تم التعبير عنها بصورة أوضح من خلال المشاركة المغربية في عملية «عاصفة الحزم»، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في مواجهة الحوثيين باليمن بعد انقلابهم على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي. كما شهدت العلاقات الإستراتيجية السعودية المغربية نقلة أخرى بعد توقيع البلدين على اتفاقية للتعاون العسكري في ديسمبر سنة 2015، وكذلك بعد أن شاركت الرباط في مناورات «رعد الشمال» التي قادتها السعودية آخر فبراير سنة 2016م. ومع إعلان المملكة العربية السعودية إنشاءها «للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب» في 15 ديسمبر سنة 2015م أكدت الرباط دعمها الكامل للتحالف الإسلامي. وفي 20 أبريل سنة 2016 شهدت العلاقات السعودية المغربية عقد أول قمة بين المملكة المغربية ومجلس التعاون الخليجي حيث تناولت سبل تعزيز الشراكة سواء في أبعادها الإستراتيجية أو في أبعادها السياسية والاقتصادية، حيث أكد الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن «دول الخليج تتضامن مع المغرب، ولا سيما في قضية الصحراء المغربية»، كما أكد الملك محمد السادس، في كلمته السامية في هذه القمة، أن دول الخليج والمغرب تواجه التحديات نفسها ولا سيما في المجال الأمني. وجاء في البيان الختامي الصادر عن هذه القمة ليؤكد دعم قادة دول مجلس التعاون الخليجي على موقفهم الداعم لمغربية الصحراء ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي فيها التي تقدم بها المغرب كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي، كما جدد قادة دول المجلس موقفهم المبدئي من أن قضية الصحراء المغربية هي أيضا قضية دول مجلس التعاون، وأكدوا موقفهم الداعم لمغربية الصحراء. وقد خصص مجلس التعاون الخليجي للمملكة المغربية في سنة 2011م دعمًا ماليًا لدعم اقتصاده بلغ 2.5 مليار دولار لتعزيز الاستثمارات والمبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليج العربي والمملكة المغربية، وقد نرى أن الاستفادة المغربية الاقتصادية من الدعم الخليجي جاء أيضًا بتوفير المغرب بيئة تشريعية وقانونية ملائمة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الخليجية، إذ يرتبط المغرب باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يمكن أن يكون المغرب جسراً لدول الخليج نحو هذه المناطق. كما أن إفريقيا تعد أيضا ساحة أساسية للعمل المشترك المغربي الخليجي، لما تمثله من أهمية مستقبلية على الصعيد الاقتصادي والإستراتيجي. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن الاهتمام الأوسع بدول شرق إفريقيا يشكل خطًا إستراتيجيًا حيويًا لأمنها. والملاحظ أن المملكة العربية السعودية قد اتخذت خطوات مهمة في الفترة الأخيرة لتقوية حضورها على صعيد الاستحقاقات الإستراتيجية في شرق إفريقيا، أهمها إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، وكذلك إشراك الصومال في مناورات «رعد الشمال». كما تسعى المملكة المغربية أيضًا إلى تطوير علاقاتها مع دول شرق إفريقيا، إذ عمدت إلى إحداث مؤسسة علمية مشكلة من مجموعة من علماء دول إفريقيا أطلق عليها اسم «مؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا» تأسست في يوليو سنة 2015م، وضمت أكثر من عشرين دولة إفريقية منها :كينيا وموريشيوس ومدغشقر والصومال وغيرها، وذلك بغرض التصدي للأفكار التي تؤدي إلى بث التطرف والإرهاب. أما عن العلاقات السعودية المغربية ففي مجالات الاقتصاد والثقافة والتعاون العلمي، نجد أن المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية ترتبطان بعلاقات وثيقة في مجالات اقتصادية وثقافية متعددة وهي كلها تنبثق من روابط الأخوة العربية والإسلامية التي تجمع الدولتين الشقيقتين، ومن حرص قيادة كل من البلدين على ذلك تعتبر اللجنة المشتركة من أهم أركان التعاون الثنائي بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية. وبناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والملك الحسن الثاني -رحمهما الله- بهدف تطوير وتدعيم جميع مجالات ومستويات التعاون الثنائي بين الدولتين، حيث تنعقد دورات هذه اللجنة بشكل دوري متواصل في الرياض وفي الرباط للتباحث في منجزات التعاون وتعزيزه. وتتضح أهمية اللجنة المغربية السعودية المشتركة، في إنشاء المجلس السعودي المغربي المشترك لرجال الأعمال تحت مظلة اللجنة المشتركة، إضافة إلى بعض مجالات التعاون في القطاع الخاص وكذلك الاتفاق على تطوير الاتفاقية الثقافية الموقعة بين الدولتين في سنة 1966م، وتوقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين التي تهتم بمجالات شتى. ومن الجدير بالذكر أن اجتماعات اللجنة المشتركة قد مهدت الطريق لتبادل الزيارات والخبرات وتوقيع الاتفاقيات بين السعودية والمغرب واعتبار ذلك مثلاً لتطوير التعاون الزراعي الذي تم في إبريل سنة 1994م. وكذلك تطوير التعاون في مجال الطاقة الشمسية حيث تم تأسيس مشروع مغربي- سعودي لتطوير إنتاج الطاقة الشمسية بالإضافة إلى بحث التعاون بين المملكة والمغرب في بعض الأنظمة الفنية ومعاهد القضاء في ديسمبر سنة 1996م، حيث تم الاتفاق على تكوين فرق عمل لمتابعة جميع مجالات التعاون الممكنة بين وزارة العدل السعودية ووزارة العدل المغربية. ويشهد التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية ارتفاعاً مطَّرداً، وتعتبر المملكة العربية السعودية الشريك التجاري السادس للمملكة المغربية، وكذلك تحتل المرتبة الثالثة في مجال الاستثمار، وترتكز معظم الاستثمارات السعودية في المغرب، في القطاع السياحي، حيث بلغت نحو 550 مليون دولار. وفي مجال الاستثمارات المشتركة، فقد تم إنشاء 13 شركة عاملة في السعودية برأسمال قدره 147 مليون ريال حتى نهاية العام 2008م، بمساهمة سعودية بلغت نسبتها 54 في المائة، بينما بلغت المساهمة المغربية 22 في المائة. وفي هذا الإطار تأتي أهمية الاتفاقية الموقعة بين المغرب والسعودية في يونيو سنة 2014م، لإنشاء خط بحري مباشر بين البلدين. كما تم إنشاء صندوق استثماري مشترك يخصص لدعم القطاع الصناعي بقيمة 500 مليون دولار. كما يبلغ عدد المشروعات الزراعية المشتركة نحو 15 مشروعاً برأسمال قدره 148.19 مليون ريال (نحو 40 مليون دولار). ويتوقع للعلاقات الاقتصادية السعودية المغربية أن تشهد المزيد من التقدم والازدهار خلال السنوات المقبلة، وذلك في ضوء اهتمام رجال القطاع الخاص في كلتا الدولتين بالاستثمار المشترك، واستضافة المعارض الصناعية في الدولتين وتنشيط حركة تجارة السلع الصناعية بينهما، خاصة أن هناك مئات السلع المعفاة من الرسوم الجمركية في حركة الاستيراد أو التصدير بين الدولتين. وفي مجال العمل والسياحة يوجد في المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر أكثر من ثلاثين ألف مغربي يعملون في مختلف الأعمال والأنشطة الاقتصادية، كما يزور السعودية سنوياً 28 ألف حاج يأتون لأداء فريضة الحج إضافةً إلى عشرات الآلاف من المغاربة على مدار العام يأتون لأداء العمرة، ويزور المغرب سنوياً نحو ثلاثين ألف سائح سعودي. ومن المتوقع للسياحة السعودية في المغرب أن تزداد بسبب اهتمام وزارة السياحة المغربية بتطوير السياحة السعودية والخليجية إلى المغرب. كما تركز الاتفاقية الثقافية المبرمة بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية سنة 1969م التي تم تطويرها في اتفاقية جديدة تم توقيعها بين الدولتين في سنة 1997م، وذلك لتبادل الخبرات وتنسيق المواقف الثقافية بين البلدين ودعم لقاءات المثقفين السعوديين والمغاربة وإقامة الأسابيع الثقافية المشتركة، تبادل زيارات هيئات التدريس والطلبة وتنظيم اللقاءات والأسابيع الجامعية بالجامعات السعودية والمغربية. كما أن الفعاليات الثقافية في ازدياد وتطور حيث حرص القائمين على مهرجان الجنادرية ومنتدى أصيلة من أجل الاستفادة المتبادلة لكل تجربة من الأخرى، كما أن معرض المطبوعات المغربية الحديثة الذي أقيم في الرياض الذي مهّد الطريق لإقامة الأسبوع الثقافي السعودي بالدار البيضاء، قد نظم ضمن نطاق المهرجان الوطني السعودي للتراث والثقافة في الجنادرية. وكذلك حال مؤسسة الملك عبدالعزيز التي دعم إنشاءها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- في الدار البيضاء في سنة 1985م. ولقد تجاوز رصيد مكتبة المؤسسة الوثائقي 220 ألف مجلد ونظامها الإعلامي 140 ألف تسجيلة «بيولوجرافية»، وتشهد المؤسسة إقبالاً كبيراً من الطلبة والباحثين، وتعمل على تلبية الاحتياجات العلمية التوثيقية والإسلامية للباحث من خلال مواردها الفنية بالمراجع والوثائق. وتهدف المؤسسة بصفة عامة إلى خدمة البحث العلمي في مجالات الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، عن طريق إدارة مكتبة ومركزاً للتوثيق في ميادين الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، وكذلك تشجيع حركة النشر والتأليف والترجمة في الميادين العلمية الإسلامية، والمشاركة في المبادلات الثقافية والعلمية مع المؤسسات والجمعيات والهيئات ذات الأهداف المشتركة، وهناك تنسيق تام بين مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض ومؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء. وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، حصل المغرب على دعم مادي من ملك السعودية الأسبق فهد بن عبدالعزيز، تمثل في 50 مليون دولار، وقد كان هذا المبلغ مرصودًا لمساعدة المغرب على تجاوز كارثة إنسانية وبيئية إثر انقلاب حاملة نفط إيرانية قبالة سواحل مدينة الدار البيضاء، تكفلت الطبيعة بالتخلص من آثار هذه الكارثة إذ زحفت الرياح بالنفط إلى أعالي البحار، وقد قرر الملك الحسن الثاني والملك فهد بن عبدالعزيز -رحمهما الله- استغلال المبلغ الفائض في بناء جامعة عربية بمعايير وتطلعات ومواصفات عالمية، حيث أسست جامعة الأخوين مرسوم ملكي (ظهير شريف) على عكس باقي الجامعات التي تؤسس بظهير وزاري، وتعتبر «جامعة الأخوين» أول مؤسسة تعليمية حكومية تعتمد اللغة الإنجليزية لغة أساسية في تعليمها. ومن أهم أدوات العمل الإسلامي الجماعي التي تطورت بفضل دعم سعودي مغربي مشترك هي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) التي حظيت باهتمام ودعم خاصين من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية. فقرار تأسيس الإيسيسكو اتخذ في المؤتمر الإسلامي العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في فاس في مايو سنة 1979م. كما أدَّى المغرب مع السعودية دوراً بارزاً في السعي لمصادقة المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية الإسلامي المنعقد في إسلام آباد في سنة 1980م، على النظام الأساسي لمنظمة الإيسيسكو.