بين اليابسة والماء شاطئ يختلط فيه الحنين بالذكريات وأوراق تبعثرت لم يجف حبرها من عطش وجوع الحروف ففي العمر بقيّة من الكلمات والجمل ما يسدُّ به رمق القريحة ويق?وّم أود القصيد ومن الشجن والموسيقى ما تهزك كلمات تود أن تشنف آذانك بين حين وحين فإذا غريزتك الطروب لم تشبع بعد ! ومن حداء الركبان في شمس الظهيرة على رمالٍ كأنها الذهب الخالص ، وربابة شاعر الخيمة في قمر الليالي المنيرة ! بين العامي والفصيح أسرار البراعة والذكاء لا يعرفها إلا من كان يطرد الإبل ويركب السفينة ! وبين الشعر والإدارة استراحة في منتصف الطريق وتوقف في محطات الاختلاف وبناء العلاقات الطردية بين العقل والقلب ! بدوي من الصحراء وحضري من المدينة فيه خشونة اليابسة وسيولة الماء فيه قساوة الصحراء وسهولة الساحل ! لم تحرمه مكابدة الليالي وصراع الأيام والظروف من الإبداع والموهبة فشق عباب الأبواب الموصدة وأسقط عناد العاطفة فلم تستطع الكثبان الرملية أن تحجز قلباً عن موطنه الأصلي من العشق والصبابة وأن تتدفق روحه تضحية وإخلاصاً لوطنه ولأمته العربية ، فاستحال شعره مطواعاً يوجهه جنوباً وشمالاً ! فلم يستعص عليه الوزن ولم تهرب منه القوافي حتى في عالم النفط الذي لم نسمع عن شاعرٍ من قبل سجّل أبياتاً فيه سوى الدكتور مانع سعيد العتيبة شاعر الأقمار السبعة ! هو شاعر الإمارات دون منازع إذا عُدَّ شعراء الخليج الكبار من كل قُطْر ! ، ولوتفرغ للشعر والأدب تفرغ المتخصص في الآداب لرأينا أديباً شاعراً غزير التأليف بعيد الغور ناقداً قد جمع الموهبة والتخصص فاستحال رائداً من رواد الشعر ونقده على مستوى يضاهي العلماء ! ويكفي ديوان ( المسيرة ) حتى تطّلع على ثقافة شاعر يحكي تاريخ أهله في عسر الأوقات ! ولكن دواوين الإدارة وشئونها واحترافيته فيها نزعاه إلى عالم النفط ومشتقاته والدبلوماسيّة وإدارتها فكان الإداري المحنك والوزير السياسي المفوّه والاقتصادي المميز الذي صال وجال في أروقة أوبك ودهاليزها الضيقة ! : ( القلب يعشق كل جميل ) وقلب شاعرنا يحب الجمال في كل شيء، في المرأة، وفي الوطن ، وفي عمله الدؤوب ، رهافة الحس وقلبه الخفوق بالحب جعل بوصلة الاتجاه الغزلي هي السمة البارزة في دواوينه فليس هناك ديوان يخلو من مقطّعات أو قصائد غزلية فهو عاشق شديد الوله، وقد امتزج فيه عشق ابن الصحراء القوي وابن المدينة الذي ذاب رقةً : حتى الوطن لم يخل من كلمات العشق والغزل، فالوفاء يمتزج بالحب لينضحا لنا أجمل المعاني من خلاصة عمر كانت التجربة كفيلة بصدق العاطفة: لآلئ الخليج تلمع من أصداف المحّار في قاع البحار لأنها أصلٌ خالدٌ من عبق التاريخ، وهكذا هو الدكتور مانع بن سعيد العتيبة .