لقاء ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مع مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية وضع النقاط على الحروف في كثير من القضايا التي تحتاج لإظهار صلابة مواقف المملكة تجاهها كقضايا الإرهاب والدور الشرير لإيران في المنطقة وتخريبها لأمن وسلم المجتمع الدولي من خلال مشروعها الطائفي التوسعي، والأهم من ذلك إبراز الدور الحقيقي للمملكة كدولة قائدة ورائدة في المحيطين العربي والإسلامي وذات تأثير قوي وفاعل على الصعيد الدولي في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية. المجلة حددت القيمة الشخصية لسمو الأمير محمد بصورة دقيقة تكشف للعالم قيمته السياسية والإدارية والفكرية حتى يعرف الجميع مع من يتعاملون، وذلك في الأدبيات الغربية من الأهمية إذ إنهم يفضلون أن يتعاملوا مع شخصيات بذات الوزن والمستوى الوصفي الذي أشارت إليه المجلة الأمريكية التي قدمته بقولها: «قيادته للمسائل كانت صلبة، وتقديمه لها كان أفضل. ولغة جسده تلمح إلى الثقة. ولكن الأهم من كل شيء أنه قدم أقوى قضية لبلاده أكثر من أي مسؤول سعودي فعل ذلك»، وأضافت: «وبرغم أنه من السابق لأوانه تقييم عملية الإصلاح الاقتصادي طويل الأجل الذي بدأ لتوه، إلا أنه من الواضح أن محمد بن سلمان لديه الحق في الأفكار التي وضعها حول كيفية إنشاء قوة عسكرية أكثر فعالية وبناء قدرة صناعية للدفاع في بلده، بتبني سياسة إستراتيجية للإنتاج الدفاعي، كبداية ممتازة». وكان من المهم والدقيق كذلك استطرادها في توصيف القيادة السعودية والتزاماتها القيادية حين أشارت إلى أن كلا من ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يعملان معاً بشكل وثيق، ويجتمعان يومياً تقريباً ويكمل كل منهما الآخر، وفي الواقع ليس هناك مجال للمنافسة أو التداخل كما يزعم البعض، فالأمير محمد بن نايف يتحكم بملفات هائلة وضخمة معنية بالأمن الداخلي تحتوي على ملاحقة الإرهابيين والحفاظ على القانون وتطبيق وبسط الأمن في جميع أنحاء البلاد. ونرى الأمير محمد بن سلمان في الجهة الأخرى المسؤول عن إصلاح الاقتصاد وتدعيم الدفاع. تطرقت المجلة إلى بُعد آخر يكشف عناية الآخر ببعض التفاصيل التي ربما لا نكترث لها كثيراً، فيما تمثّل قيمة عالية لديه، وهي العلاقة القيادية بالشباب حيث ذكرت أنه لم يحدث من ذي قبل في تاريخ السعودية، أن لديها عضواً في العائلة المالكة متواصلاً مع الشباب السعودي الطموح ويتحدث باسمهم ومعهم خصوصاً في بلد أكثر من نصف سكانه تحت سن 25 عاماً، وهذه النقطة من الأهمية بما يجعلنا نتوقف كثيراً عند أداء سمو الأمير الشاب مع بني جيله، وبالتالي مع غالب المواطنين، فقيادة الدولة لدينا على مر تاريخها كانت بجانب المواطنين، غير أن انفتاح سموه المباشر مع الشباب أضاف لذلك التواصل التاريخي بُعداً جديداً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم تستشرف آفاقاً جديدة وتجدد تلك العلاقة بروح أكثر تماساً مع القضايا والهموم بحيث لا يصبح هناك أي فراغ في العلاقة التي تتطلب فهماً لعقل الشباب ولذلك كان جديراً بسموه أن يكون على تلك الروح مع شباب الوطن، وهو يمثلهم في أعلى سلم القيادة، ويستقطب أفضل وألمع الكفاءات الشابة، إضافة إلى العديد من ذوي الخبرة العالية في سبيل القضاء على المحسوبية والبيروقراطية في بلادنا، كما أشارت المجلة. ولا شك أن سمو الأمير محمد اعتنى بفكره بالجانب الاقتصادي الذي يمثّل عصب الحياة لكل الشعوب، ولذلك تم تكليفه برئاسة مجلس التنمية الاقتصادية الذي يطوّر من أدواته وفقاً لمقتضيات الواقع من أجل تأسيس بنية اقتصادية حديثة تستهدف التنوع في مصادر الدخل وتوظيف الموارد البشرية والطبيعية بمنهج متوازن تتحقق معه المصلحة العامة، ولذلك تم إطلاق برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية السعودية 2030 التي تنتهي إلى وطن طموح كمحور حاسم في رفع القدرات الإنتاجية وإعادة بناء الاقتصاد بمنهج اقتصادي متقدم قادر على تجاوز التحديات ومواجهة أعتى الظروف الاقتصادية، خاصة وأن المملكة تمتلك المقومات الاقتصادية الكفيلة بأن تجعلها أحد أكثر اقتصاديات العالم نمواً وتنافسية، وذلك يتطلب انعطافاً في الفكر الاقتصادي والخروج من عباءة الاقتصاد الريعي لأنها تُشكّل تهديداً للمستقبل في ظل تقلُّب الظروف الجيوبوليتيكية من حولنا. ولعل أبرز ما في الحوار يتعلق بالجار الشرير إيران التي تمثّل تهديداً لأمن وسلام العالم بأسره وليس للمملكة وحدها، حيث أكد سموه بوضوح أن هذه الدولة تمثّل العلل الرئيسية الثلاث في المنطقة، وهي الأيديولوجيات بلا حدود وحالة عدم الاستقرار والإرهاب، وهو في هذا السياق شرّح وشخّص بدقة ومباشرة، لأن إيران بيت الداء لأمن العالم وسلامه، وليس من سبيل لاستعادة ذلك الأمن والاستقرار إلا بتراجعها الكامل عن خطوطها العدائية ومشاريعها التوسعية ونشرها للطائفية والتطرف والإرهاب في دول المنطقة، وفي ظل الظروف الحالية التي تسعى من خلالها لإشعال الحرائق في أكثر من دولة ليس متصوراً أن يتم التوافق معها على أي تسويات دون أن تعترف بجرائمها وتترك محطة الإرهاب ودعمه والتدخل في شؤون غيرها بكل الغطرسة التي تطفح من قياداتها. وذلك أمر كان سمو الأمير واضحاً فيه بلا لبس أو غموض حين سئل ما إذا كانت المملكة العربية السعودية تنظر في فتح قناة اتصال مباشرة مع إيران؛ لنزع فتيل التوترات وإقامة أرضية مشتركة، فقال: «إنه لا يوجد أي نقطة في التفاوض مع السلطة التي هي ملتزمة بتصدير أيديولوجيتها الإقصائية، والانخراط في الإرهاب، وانتهاك سيادة الدول الأخرى. وإذا لم تقم إيران بتغيير نهجها، فإن المملكة ستخسر إذا أقدمت على التعاون معها»، وذلك حقيقي ويؤكده الواقع فليس من مصلحة أمنية أو سياسية أو عسكرية في التفاوض مع عدو يجلس إلى طاولة وبيده كل الخناجر التي يمكن أن تطعن من الخلف ولديها مشروع لا تتنازل عنه، بما لا يجعل من جدوى لأي حوار معه. ومن القضايا التي تناولها سمو الأمير محمد في حواره مع المجلة الأمريكية ذائعة الصيت، قضية التنظيمات الإرهابية المعاصرة من خلال انتشار تنظيم داعش في العراق وسورية، قال: «يمكن هزيمة تلك التنظيمات بالنظر إلى وجود دول قوية في المنطقة، مثل مصر والأردن وتركيا، والمملكة العربية السعودية» وذلك أمر يتطلب تعاوناً وجهداً إقليمياً ودولياً لأن الخطر يتسع على نطاق جغرافي يهدد أكثر من دولة ويمتد إلى أفريقيا وذلك ما جعل المملكة العربية السعودية تلتزم بالمساعدة في محاربة التهديد المتزايد من العنف والتطرف في أفريقيا، من خلال الشراكة مع المنظمات الدولية والمساعدات والتنمية، بما في ذلك اليونيسيف ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، والتخطيط لعدد من المبادرات القادمة، وذلك طبيعي لأن المملكة عانت كثيراً من الإرهاب وبذلت جهداً كبيراً في مكافحته واكتسبت خبرات عميقة في التعامل معه، وأثبتت نجاحات أمنية شهد بها العالم، بل إن أجهزة الأمن حول العالم تطبق الإستراتيجية السعودية في حربها ضد الإرهاب. ومن أكثر القضايا الحيوية التي تطرق إليها سمو الأمير محمد في حواره مع «فورين أفيرز» محاولة الربط بين الوهابية والإرهاب، وأعرب سموه عن الاندهاش لسوء الفهم العميق من الأمريكيين تجاه هذا الأمر، وقال إن التشدد لا علاقة له بالوهابية، وتساءل: «إذا كانت الوهابية نشأت منذ 3 قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا أخيراً؟!» وهذا سؤال بالفعل نضعه جميعاً لكل كائد أو ساعٍ لربط المملكة بالإرهاب والتطرف، فما من مسوغ لذلك الربط غير المنصف وغير الموضوعي، والذي لا يأتي إلا في إطار الكيد السطحي الذي ينسفه الواقع وحقائقه، لذلك فإن هذا الحوار في هذه المجلة الأمريكية الرائدة يكون قطع شوطاً فكرياً بعيداً في إيضاح كثير من الحقائق وكشف حقيقة دور السعودية الأمني والسلمي الذي يضاف إلى أمن وسلام العالم، وأن المملكة بقيادتها الحالية تمتلك القدرات اللازمة لتوضح لكل العالم أهميتها كدولة أكبر من أن تكون محل شكوك في نزاهتها السياسية والأمنية، وموضع ثقة لتحقيق الأمن والسلم الدولي، وأنها تضطلع بدور كبير يعجز عنه الكثيرون بما فيه قوى دولية مؤثرة.